قوله المؤلف رحمه الله:(وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:٦] الآيتين في صفة الكفار الذين يموتون كفاراً).
هذا الصنف الثاني، وهم الكفار ظاهراً وباطناً، وذكرهم الله في آيتين: الآية الأولى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}[البقرة:٦] يعني: جحدوا توحيد الله، وجحدوا حق الله، والصواب أنهم لم يوحدوا الله، ولم يخلصوا له العبادة، فهم كفار.
ويسمى الكافر كافراً؛ لأنه ستر الحق، والكافر من الكفر وهو الستر والتغطية، وسمي الزارع كافراً؛ لأنه يغطي الحب في الأرض، وسمي الكافر كافراً؛ لأنه يغطي الحق ويجحده، والحق هو توحيد الله وإخلاص العبادة له، فجحوده الحق، وتركه لعبادة الله، وتكذيبه لله ولرسوله، صيره كافراً.
يقول الله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:٦] هؤلاء الكفار لا يستفيدون من المواعظ ولا الإنذار، فسواء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يستفيدون، كما قال الله عن قوم هود وعاد:{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ}[الشعراء:١٣٦] أي: نحن مستمرون على كفرنا وعنادنا، {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ}[الشعراء:١٣٦]، وهنا قال سبحانه {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:٦].
ثم بين الله جزاءهم لما تركوا الحق عناداً، فقال:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}[البقرة:٧].
فقوله تعالى:(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ) أي: جعل على القلوب ختماً، وعلى السمع ختماً معنوياً يمنع وصول الحق إليه، فلا يعون الحق، ولا يستمعون إليه، وإن كانوا يسمعون أمور الدنيا، لكن الحق لا يسمعونه ولا يعونه.
قال تعالى:(وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) أي: غطاء معنوي على الأبصار، فلا يرون الحق ولا يبصرونه، مع أنهم يبصرون أمور دنياهم في أكلهم وشربهم وبيعهم، لكن الحق لا يبصرونه؛ لأن على أعينهم غشاوة، عقوبة لهم وجزاء لما عملوا قال تعالى:{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[آل عمران:١١٧].
وقال تعالى:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة:٧] أي: جزاؤهم في الآخرة العذاب العظيم من الله، وهو عذاب الله والخلود فيها أبد الآباد، نسأل الله السلامة والعافية.