[موقف أهل السنة من الخلاف بين الصحابة]
وكما قال بعض السلف: هذه الحروب والقتال الذي حصلت نزه الله منها أيدينا فنسأل الله أن ينزه ألسنتنا منها، لكن أهل البدع تجدهم يطعنون في الصحابة، يطعنون في علي، ويطعنون في معاوية، وهذا خطأ، وهو خلاف معتقد أهل السنة والجماعة.
فالواجب الترضي على الجميع، وأن نعتقد أنهم مجتهدون ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، وما ينقل عن الصحابة كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية: منه ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنه ما له أصل ولكن زيد فيه ونقص، ومنه ما هو صحيح، والصحيح هم فيه بين مصيب مجتهد له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر، ولهم من الحسنات ما يغطي ما صدر عنهم من الهفوات، هذا هو الواجب على المسلمين، أما الكلام في الصحابة والطعن فيهم، وذكر مساوئهم، فهذا من طريقة أهل البدع.
أما أهل السنة والجماعة فإنهم يترضون عن الجميع، ويترحمون على الجميع، ويعتقدون أن قتالهم ليس للهوى ولا للعصبية وإنما هو عن اجتهاد، ويعتقدون أن لهم من الحسنات من السبق إلى الإيمان والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ونشر الإسلام والدعوة إلى الله، ما يغطي ما صدر عنهم ما الهفوات.
ونقول في الجميع كما قال تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].
فإياك أن تلوث لسانك في الطعن في الصحابة فإن هذا شعار أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، والروافض هم الذين يطعنون في الصحابة ويسبونهم، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهؤلاء الخوارج لهم أسماء يقال لهم: الحرورية؛ لأنهم خرجوا بمكان يقال له: حروراء، ويقال لهم: أهل النهروان؛ لأن علياً رضي الله عنه قاتلهم هناك].
الخوارج لهم أسماء فيسمون: الحرورية؛ لأنهم خرجوا في مكان في العراق يسمى حروراء، فنسبوا إليه فيقال لهم: الحرورية، ومن ذلك أن عائشة رضي الله عنها سألتها امرأة، فقالت: يا أم المؤمنين، ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ففهمت عائشة أنها معترضة، وأن السؤال سؤال اعتراض، فقالت: أحرورية أنت؟ أي: هل أنت من الخوارج من بلدة حروراء فتعترضين؟ لأن الخوارج يعتقدون أن الحائض تقضي الصلاة مثل الصوم، فهذه المرأة ليست من الخوارج، لكنها لم تحسن السؤال، فكأنها تقول: ما الحكمة في كون الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لكن قالت: ما بالها؟ ففهمت منها أنها معترضة وأنها من الخوارج فقالت: أحرورية أنت؟ أأنت من الخوارج؟ قالت: لا، لست بحرورية ولكن لأفهم، فقالت عائشة رضي الله عنها: (هكذا كان يصيبنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
فهذه الفرقة تسمى الحرورية نسبة إلى حروراء، ويسمون أهل النهروان؛ لأن علياً قاتلهم بمكان يقال له: النهروان، ويسمون الخوارج؛ لأنهم خرجوا على الطائفتين، على علي رضي الله عنه وعلى معاوية، وكفروا الجميع، وقالوا: علي كافر، ومعاوية كافر وعثمان كافر، قالوا: لأنهم تقاتلوا؛ ولأنهم حكموا الرجال في كتاب الله فكفروا، فهذا هو مذهبهم يكفرون المسلمين بالمعاصي.
ومذهبهم باطل خبيث فهم يخلدون المؤمنين في النار، ويكفرونهم بالمعاصي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن أصنافهم الإباضية أتباع عبد الله بن أباض، والأزارقة أتباع نافع بن الأزرق، والنجدات أتباع نجدة الحروري].
الخوارج أصناف كثيرة ذكر الذين كتبوا في الفرق أنهم يبلغون ما يقرب من أربع وعشرين فرقة، منهم الإباضية نسبة إلى عبد الله بن أباض، ومنهم الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق، ومنهم النجدات، ومنهم الصفرية، فلهم فرق كثيرة متعددة، ولو راجعت كتب الفرق مثل الفرق بين الفرق للبغدادي، والملل والمحل للشهرستاني وغيرها، ففي الفصل والملل لـ ابن حزم يذكر أن الخوارج أربع وعشرون فرقه أو اثنتان وعشرون فرقة، والشيعة أربع وعشرون فرقة.