مما استدل به الأزارقة على مذهبهم كفر إبليس، وقالوا: ما ارتكب إلا كبيرة حيث أمر بالسجود لآدم فامتنع فطرد من الجنة؟
الجواب
هذا المستدل جهله مركب، فإبليس ليس كفره بالمعصية بل كفره بالإباء والاستكبار، والإباء والاستكبار نوع من أنواع الكفر، فالكفر أنواع: منها: التكذيب، فمن كذب الله ورسوله كفر، ومنها: الإباء والاستكبار، وهو: أن يتلقى أمر الله وأمر رسوله بالإباء والاستكبار، بالرفض لا بالتكذيب.
وإبليس ما كذب الله، فالله تعالى قال: اسجدوا لآدم، وهو وامتنع واعترض على الله، وقال: لا يمكن أن أسجد لآدم؛ لأن عنصري أحسن من عنصر آدم، فعنصر آدم الطين، وأنا عنصري النار، والنار خير من الطين، ولا يمكن أن يخضع الفاضل للمفضول كما قال تعالى:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف:١٢].
فإذاً: كفر إبليس بالرفض والإباء والاستكبار، وليس بمعصية.
واليهود يعلمون أن محمداً هو رسول الله حقاً، كما قال الله تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:١٤٦]، فكفرهم بالإباء والاستكبار.
وكفر أبي طالب عم الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا كان بالإباء والاستكبار، فكان مستكبراً عن عبادة الله، وحملته الحمية أن يكون على دين قومه، فكان مستكبراً عن عبادة الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكفره بالإباء والاستكبار.
فإبليس كفره بالإباء والاستكبار وهو نوع من أنواع الكفر، والكفر أنواع منها: كفر التكذيب، وكفر الإباء والاستكبار، وكفر الإعراض، وكفر الشك، وكفر الرفض، وقد يكون بالاعتقاد، بأن يعتقد أن لله صاحبة أو ولداً، أو يكذب الله ورسوله، كما يكون بالقول كأن يسب الله أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يستهزئ بالله وبرسوله، وكفر يكون بالعمل كالسجود للصنم، وكفر بالرفض والامتناع كأن يعرض فلا يتعلم دين الله ولا يعبد الله، قال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}[الأحقاف:٣]، فإبليس كفره بالإباء والاستكبار.