[المثل الناري والمثل المائي للمؤمنين في سورة الرعد]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما ضرب المثل بهذين للمؤمنين في قوله تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}[الرعد:١٧]].
أي: فكذلك ضرب الله للمؤمنين مثلين: مثلاً مائياً ومثلاً نارياً في سورة الرعد، في قوله تعالى:{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}[الرعد:١٧] أي: ضرب الله مثلاً مائياً ومثلاً نارياً للحق في ثباته وبقائه، وللباطل في ذهابه وفنائه.
المثل الأول: المثل المائي قال فيه عز وجل: ((أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)) أي: المطر، ((فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)) منها الوادي الكبير ومنها الوادي الصغير، فالوادي الكبير يحمل ماء كثيراً، والوادي الصغير يحمل ماء قليلاً، كل بقدره.
قوله:{فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}[الرعد:١٧] أي: احتمل السيل الزبد وهي الفقاقيع التي تكون فوق الماء، ثم قال بعد ذلك:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}[الرعد:١٧] أي: هذا الزبد سرعان ما يتبخر ويكون على شاطئ الوادي ويذوب، ويبقى الماء، فمثل للحق بالماء، ومثل للباطل بالزبد الذي يذهب جفاء.
المثل الثاني: المثل الناري قال فيه عز وجل: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}[الرعد:١٧] أي: ضرب الله مثلاً بالحداد الذي يأتي بالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص ويصهرها على النار ويذيبها، فتخرج منها الشوائب وهو الزبد المقصود في هذه الآية، ويبقى الذهب الصافي الخالص، فالذهب والفضة الصافي هذا مثل الحق فإنه يثبت، فأما الزبد والوسخ فإنه يذهب ويزول، والزبد والوسخ هو مثل الباطل في ذهابه وبطلانه.
إن أمثال القرآن أمثال عظيمة، وقد أكثر الله منها في كتابه، وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام ضرب أمثلة كثيرة، والأمثلة فيها فوائد عظيمة، وقد كان بعض السلف إذا لم يعرف المثل يبكي، ويقول: إن الله تعالى يقول: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:٤٣] أي: أني لست من العالمين.