هذه الآيات فيها بيان حال المؤمنين وحال المنافقين، ففيها حال المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله باطناً وظاهراً، واستقاموا على توحيد الله وطاعته، وفيها حال المنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، ودبروا الحيل والمكائد في الدنيا للقضاء على الإسلام والمسلمين، فماذا كان حالهم؟ وماذا كانت نتيجتهم؟ لقد كانت النتيجة أن الله تعالى نجى المؤمنين من شدائد يوم القيامة وأهوالها، فحصلوا على الفوز العظيم، والنعيم المقيم، وأما المنافقون فإن نفاقهم وكفرهم خذلهم في أحرج المواقف، وانطفأ نورهم وصاروا في الظلمات، ثم سيقوا إلى الجحيم والدركات في النار، نسأل الله السلامة والعافية، فبين الله حالهم ومآلهم فقال:{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}[الحديد:١٢] أي: أمامهم، فيمشون في النور، فلما كانوا صادقين في إيمانهم صار هذا النور المعنوي في الدنيا نوراً حسياً حقيقاً في الآخرة، فيكون أمامهم ويكشف لهم الطريق؛ ليمشوا على بصيرة، {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الحديد:١٢] فتبشرهم الملائكة بذلك.
وأما المنافقون فقال عنهم:{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ}[الحديد:١٣] أي: يمشى المنافقون والمؤمنون جميعاً في النور، ثم ينطفئ نور النفاق، فالمنافقون لا يزالون في خداعهم فيظنون أنهم مع المؤمنين، فلما كانوا مع المؤمنين في الدنيا ظنوا أن هذا سينفعهم في الآخرة، فمشوا معهم يوم القيامة فانطفأ نورهم، وبقي نور المؤمنين مضيئاً، فقالوا للمؤمنين:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}[الحديد:١٣] أي: اصبروا وانتظرونا فليس عندنا نور، فقال لهم المؤمنون:{ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ}[الحديد:١٣] أي: فصل بينهم وبين المؤمنين {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ}[الحديد:١٣] أي: من قبل المؤمنين، {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد:١٣] من قبل المنافقين، ثم سوقوا إلى النار عياذاً بالله، فهذا جزاؤهم بسبب كفرهم وعنادهم.
قوله:{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ}[الحديد:١٤] أي: لما انطفأ نور المنافقين وضرب بينهم بسور جعل المنافقون ينادون المؤمنين، فليس لديهم الآن إلا النداء: ألم نكن معكم في الدنيا فكنا نصلي معكم، ونصوم معكم، ونجاهد معكم؟ فما الذي حصل؟ ولماذا افترقنا؟ {قَالُوا بَلَى}[الحديد:١٤] أي: كنتم معنا، {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[الحديد:١٤] فلستم على استقامة، ولستم على إيمان، ولستم على توحيد.
{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الحديد:١٥]، لا يمكن أن تفدوا أنفسكم من عذاب الله لا أنتم ولا الكفار ظاهراً وباطناً، {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الحديد:١٥]، فهذه عاقبة الكفار والمنافقين، نسأل الله السلامة والعافية.