للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفات الخوارج]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن أصح حديثهم حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنه ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله حديثاً فوالله لئن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب عليه، وإن حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة].

هذا فيه بيان عناية الصحابة رضوان الله عليهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فـ علي رضي الله عنه يقول: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا لا أحدث إلا عن يقين، فوالله لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب عليه، أما إذا حدثت فيما بيني وبينكم بعيداً عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الحرب خَدْعَة، يقال: خَدْعة، ويقال: خَدَعة، ويقال: خِدعْة، ويقال: خُدعة، بالضم لكن فيه ضعف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)].

هذا الحديث رواه البخاري رحمه الله، ومسلم، والنسائي، وأحمد، والبغوي، وابن حبان، وابن أبي عاصم، ومعنى: (أحداث الأسنان) أي: صغار الأسنان، وشباب صغار، وسفهاء الأحلام أي: ضعفاء العقول.

أسنانهم صغار وأحلامهم ضعاف تأولوا الأحاديث على غير تأويلها، وما فهموها، وأخذوا الأحاديث التي فيها الوعيد، والأحاديث التي جاءت في الكفار فجعلوها في المسلمين فحكموا على المسلمين بأحكام الكفار.

فإذا زنا المسلم كفروه، وإذا سرق كفروه، وإذا عق والديه كفروه، وإذا قطع رحمه كفروه، وإذا اغتاب كفروه، كل من فعل كبيرة فهو كافر عندهم ويخلدونه في النار؛ لضعف عقولهم وصغر أسنانهم، كما جاء في الحديث: (يقولن من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم)، وفي لفظ: (أنهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم).

وفي اللفظ الآخر: (يمرقون من الدين، ثم لا يعودون إليه)، وفي اللفظ الآخر: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد)، شبههم بعاد وهم قوم كفار، وفي لفظ: (لأقتلنهم قتل ثمود).

واحتج بهذا بعض العلماء على كفر الخوارج، وهو رواية عن الإمام أحمد أن الخوارج كفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الدين)، وأمر بقتلهم، وقال: (في قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله)، وقال: (يمرقون من الإسلام، ثم لا يعودون إليه).

قال: هذا دليل كفرهم، وشبههم بعاد وبثمود وهم قوم كفار، فقال: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد).

ولهذا ذهب بعض العلماء، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله إلى أنهم كفار، ويختار هذا القول سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن الخوارج كفار.

والقول الثاني: قول جمهور العلماء: أنهم ليسوا كفاراً ولكنهم مبتدعة؛ لأنهم متأولون، والصحابة رضي الله عنهم عاملوهم معاملة الفساق والمبتدعة، ولم يعاملوهم معاملة الكفار؛ لأنهم متأولون، وهناك فرق بين المتأول وبين الجاهل، فهم تأولوا وغلطوا، وقد استدلوا بقول علي رضي الله عنه لما سئل عن الخوارج: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، وعلى قول الجمهور يكونون مبتدعة وليسوا كفاراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>