فأنتم اتجهتم إلى طريق العلم، ونحسبكم والله حسيبكم أنكم قصدتم بذلك وجه الله والدار الآخرة، لا تريدون مالاً ولا جاهاً ولا شهادة ولا وظيفة، وإنما تطلبون العلم للتبصر والتفقه.
فأوصيكم ونفسي بالإخلاص والصدق مع الله، فأخلصوا طلبكم للعلم لله، واقصدوا بذلك وجه الله والدار الآخرة؛ لأن طلب العلم من أجل القربات وأفضل الطاعات، وهو أفضل من نوافل العبادة، قال العلماء: إن طلب العلم أفضل من نوافل العبادة، يعني: كونك تتفرغ لطلب العلم أفضل من كونك تتفرغ لتصلي الليل، أو لتصلي صلاة الضحى، أو لتصوم الإثنين والخميس، أو لتصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وإذا كان طلب العلم يمنعك من صلاة الليل أو صلاة الضحى، فأنت بين أمرين: إما أن تصلي الضحى أو تحضر درس العلم.
نقول: حضور درس العلم مقدم على صلاة الليل، وإذا كان صيام الإثنين والخميس أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر يمنعك من طلب العلم فطلب العلم مقدم؛ لأن طلب العلم أفضل من نوافل العبادة، يعني: ما زاد عن الفرائض؛ وما ذاك إلا لأن طلب العلم يتبصر به الإنسان في دين الله ويتفقه ويعلم الحلال والحرام، ويمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، فيعبد الله على بصيرة، بخلاف الجاهل فإنه لا علم عنده.
فأوصيكم ونفسي بالإخلاص، أن يخلص الإنسان في طلبه للعلم، ويعلم أنه في عبادة عظيمة من أجل القربات وأطيب الطاعات.
وعليه أن يحسن القصد ويخلص النية، ويتذكر دائماً أنه يعبد الله بطلب العلم، ويتذكر دائماً أن الله من عليه بهذه النعمة العظيمة، ووجهه هذه الوجهة، وشرح قلبه وصدره لطلب العلم، فيرتبط بهذه النعمة ويفرح بها، قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:٥٨].