[سقوط عقوبة الذنب بالمصائب، وأهوال القبر والقيامة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السبب السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا هم ولا حزن، ولا غم ولا أذي، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)].
السبب السابع من الأسباب التي يدفع بها العقوبة عن العاصي: المصائب التي يكفر الله بها من خطاياه، كالأمراض والهموم والغموم والأحزان وفقد الأحبة والمصائب في النفس أو في المال أو في الولد، فكل هذه يكفر الله بها الخطايا، كما في الصحيحين: (ما يصيب المؤمن من وصب -مرض-، ولا نصب -تعب-، ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما تكفر به الخطايا].
السبب الثامن: مما يدفع الله به العقوبة عن العاصي هو: الفتنة، والمقصود سؤال منكر ونكير حين يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وكل هذا امتحان يحصل له به تعب، فإذا حصل له التعب كفر الله من خطاياه، مثل الإنسان الذي يمتحن في الدنيا ويحصل له تعب من الامتحان، فكذلك هنا هذا التعب يكفر الله به من الخطايا.
ومن ذلك ضغطة القبر كما في الحديث: (ما من ميت يموت إلا ضمه القبر ضمة)، وفي الحديث أنه: (لو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ) وهو الذي اهتز له عرش الرحمن، أصابته ضغطة القبر والروعة، وهذا مما تكفر به الخطايا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها].
هذا هو السبب التاسع، وهو أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها، فهي مما يكفر الله به الخطايا، فقد يكون الإنسان مذنباً ثم تصيبه أهوال وشدائد وكرب في موقف القيامة من دنو الشمس فوق رأسه، وكونه يلجمه العرق، وغير ذلك من الأهوال والشدائد، فهذه يكفر الله بها الخطايا.
فقد يحصل لبعض الناس الشدائد والكرب وأهوال وبعضهم لا يحصل له، فالذي يحصل له كرب وشدائد يكفر الله به الخطايا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد].
هذا هو السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب؛ لأن المؤمن العاصي تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له ورحمه بتوحيده وإيمانه وإسلامه من دون سبب وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء سبحانه عذبه بقدر جرائمه ثم يخرجه من النار، وليس كل العصاة يدخلون النار، فبعضهم يدخل وبعضهم لا يدخل، وبعضهم يغفر له وبعضهم لا يغفر له، فهم تحت مشيئة الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:٤٨]، فإذا عفا الله عن العبد وغفر له سقطت عنه العقوبة، وإن كان مستحقاً لها، هذا هو السبب العاشر: (رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد).
قال المصنف رحمه الله: [فإذا ثبت أن الذم والعقاب قد يدفع عن أهل الذنوب بهذه الأسباب العشرة، كان دعواهم أن عقوبات أهل الكبائر لا تندفع إلا بالتوبة مخالف لذلك].
يعني: هذه الأسباب العشرة يدفع الله بها عن العصاة الموحدين العقوبة، وعلى هذا ترتفع العقوبات عن أهل الكبائر بواحد من هذه الأسباب العشرة، فقول المعتزلة والخوارج: إن صاحب الكبيرة إذا لم يتب لابد أن يخلد في النار، باطل؛ لأن العقوبة تدفع عن مرتكب الكبيرة بواحد من هذه الأسباب العشرة.
فعند الخوارج صاحب الكبيرة -إذا زنى أو سرق- يخلد في النار إلا إذا تاب، والمرابي مخلد في النار إلا إذا تاب، والعاق لوالديه مخلد في النار إلا إذا تاب.
ونحن نقول: هذا ليس بصحيح، فقد تدفع عنه العقوبة ولو لم يتب بواحد من الأسباب العشرة المذكورة.