الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسول نبينا وإمامنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو إليكم، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وصواباً على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسأله سبحانه أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وأن لا يجعل فينا ولا منا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً.
أيها الإخوان! إن طلب العلم، والاستزادة منه، والحرص عليه، عن إخلاص ومحبة ورغبة ورهبة من أفضل القربات وأجل الطاعات، فإن العلم الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف العلوم، والله سبحانه وتعالى رفع شأن العلماء وميزهم، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة على أجل مشهود به، وهو الشهادة له سبحانه وتعالى بالوحدانية.
وقال سبحانه:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:٩]، وقال سبحانه:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:١٨].
وأمر الله نبيه أن يقول:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:١١٤].
والعلم الشرعي هو ميراث الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن اتصف بالعلم كان له مزية على غيره.
ولهذا فإن في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي فيه بيان أقسام الناس الذين يقرءون القرآن جعل لمن يقرأ القرآن ميزة وإن كان من المنافقين، فقال عليه الصلاة والسلام:(مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر).
فجعل المنافق الذي يقرأ القرآن له مزية، وإن كان لا ينفعه، لكن العلم يجعل للإنسان مزية تميزه على غيره، حتى الحيوانات المعلمة تتميز عن غيرها من غير المعلمة، فالكلب المعلم له ميزة على غيره من الكلاب، والكلب المعلم يجوز أكل ما صاد، والكلب غير المعلم لا يؤكل صيده، بالشروط.
فالمسلم الذي من الله عليه بالعلم وسلوك طريق العلم عليه أن يغتبط بهذه النعمة، ويعلم أن الله أراد به خيراً، وإن من علامات إرادة الله الخير للعبد أن يفقهه في دينه، وأن يتبصر، وأن يحرص على طلب العلم، ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، قال العلماء: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم، منطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً، ومفهومه: أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما ذاك إلا أن الفقه في الدين وسيلة إلى العمل، وإلى تنفيذ الأحكام والتصديق بالأخبار، ولهذا فإن العلماء ورثة الأنبياء.