قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهنا أصل آخر، وهو أنه قد جاء في الكتاب والسنة وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان فقال تعالى:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الحجرات:١٤] وقال تعالى في قصة لوط عليه الصلاة والسلام: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:٣٥ - ٣٦].
وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، وعارضوا بين الآيتين وليس كذلك، بل هذه الآية توافق الآية الأولى؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمناً، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين.
وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، وفى الباطن مع قومها على دينهم خائنة لزوجها، تدل قومها على أضيافه، كما قال تعالى فيها:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}[التحريم:١٠]، وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، إذ نكاح الكافرة قد يجوز في بعض الشرائع، ويجوز في شريعتنا نكاح بعض الأنواع، وهن الكتابيات، وأما نكاح البغي فهو دياثة، وقد صان الله النبى عن أن يكون ديوثاً.
ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب].
بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله الأصل الأول: وهو أن الأحكام تجرى على الظاهر في الدنيا، أما في الآخرة فإنها تجرى على الظاهر وعلى الباطن جميعاً، فالمؤمن ظاهراً وباطناً عند الله مؤمن، والكافر ظاهراً وباطناً عند الله كافر، والمنافق عند الله كافر، فهذا أصل ينبغي معرفته، وهو التمييز بين الحكم الظاهر والباطن، والفرق بينهما، وهذا ثابت بالنصوص المتواترة والإجماع.