[بيان أقرب الطائفتين إلى الحق]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن أبي سعيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: ذكر قوماً يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق، ثم قال: شر الخلق أو من شر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق)].
قوله: أدنى أي: أقرب الطائفتين إلى الحق، فقتلهم جيش علي رضي الله عنه، فدل على أن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الحق من معاوية وأهل الشام.
وفي اللفظ الآخر: (عمار تقتله الفئة الباغية)، وقد قتله جيش معاوية وأهل الشام، فدل على أن معاوية وأهل الشام بغاة، لكن لا يعرفون أنهم بغاة، وهم مجتهدون لهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب، وعلي رضي الله عنه وأصحابه مجتهدون مصيبون لهم أجر اجتهاد وأجر الصواب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو سعيد رضي الله عنه: أنتم قتلتموهم يا أهل العراق، وفى لفظ له: (تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق)، وهذا الحديث مع ما ثبت في الصحيح عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي رضي الله عنهما: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين)].
وقوله: (ابني هذا سيد) وهو ابن ابنته فاطمة فدل على أن ابن الابن وابن البنت يسمى ابناً، قوله: سيد، وفي اللفظ الآخر: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، وقوله: (وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين)، فيه دليل على أن معاوية وأهل الشام وعلياً وأهل العراق كلهم مؤمنون؛ لأنه وصفهم بالإيمان، وفيه الرد على من كفرهم من الخوارج وغيرهم.
ولما قتل علي رضي الله عنه وبايع الناس ابنه الحسن بالخلافة، فبقي في الخلافة ستة أشهر، ثم تنازل عن الخلافة لـ معاوية رضي الله عنه بشرط حقن دماء المسلمين، فأصلح الله به بين فئتين عظيمتين، ووضعت الحرب أوزارها، وبويع لـ معاوية بالخلافة في عام أربعين من الهجرة، وسمي ذلك العام عام الجماعة، واجتمع الناس كلهم على معاوية رضي الله عنه.
فيكون معاوية أول ملوك المسلمين وبه انتهت الخلافة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)، وآخر الثلاثين السنة الستة أشهر التي تنازل فيها الحسن بن علي رضي الله عنه لـ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
والمصنف رحمه الله ذكر في موضع آخر أن الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم كان قتله جائزاً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن قتله لم يحل؛ لأن سفك الدماء بغير الحق من أكبر الكبائر، إلى إن قال: ولما قال ذو الخويصرة: اعدل فإنك لم تعدل، وإنما لم يقتلهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، ذكر هذا رحمه الله في الصارم المسلول.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فبين أن كلا الطائفتين كانت مؤمنة وأن اصطلاح الطائفتين كما فعله الحسن رضي الله عنه كان أحب إلى الله ورسوله من اقتتالهما، وأن اقتتالهما وإن لم يكن مأموراً به، فـ على بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية رضي الله عنه وأصحابه، وأن قتل الخوارج مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم].
الأقرب: بدل كلمة (قتل): قتال؛ لأن إمام المسلمين قد قاتلهم، وأن قتال الخوارج أحسن، وليس للإنسان أن يأخذ واحداً من الخوارج ويقتله، فتصير المسألة فوضى، لكن هذا إمامه يكشف شبهته إذا كان له شبهه، فإن أبوا قاتلهم الإمام.