للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصناف الناس في العهد النبوي]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل.

تضمن الحديث سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، وجوابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، وقوله في آخر الحديث: (هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم) فجعل هذا كله من الدين.

وللناس في الإسلام والإيمان من الكلام الكثير، مختلفين تارة، ومتفقين أخرى، ما يحتاج الناس معه إلى معرفة الحق في ذلك، وهذا يكون بأن نبين الأصول المعلومة المتفق عليها، ثم بذلك يتوصل إلى معرفة الحقيقة المتنازع فيها، فنقول: مما علم بالكتاب والسنة والإجماع، وهو المنقول نقلاً متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام دين النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس كانوا على عهده بالمدينة ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق ظاهره الإسلام وهو في الباطن كافر.

ولهذا التقسيم أنزل الله تعالى في أول سورة البقرة ذكر الأصناف الثلاثة، فأنزل أربع آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في صفة الكافرين، وبضع عشرة آية في صفة المنافقين.

فقوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:٢ - ٥] في صفة المؤمنين.

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:٦] الآيتين في صفة الكفارين الذين يموتون كفاراً.

وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:٨] الآيات في صفة المنافقين، إلى أن ضرب لهم مثلين أحدهما بالنار والآخر بالماء، كما ضرب المثل بهذين للمؤمنين في قوله: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد:١٧]].

قول المؤلف: (وللناس في الإسلام يعني: في مسمى الإسلام والإيمان، من الكلام الكثير، مختلفين تارة، ومتفقين أخرى، ما يحتاج الناس معه إلى معرفة الحق في ذلك).

فلما كان هذا الاختلاف كبيراً كان لابد من معرفة الحق في ذلك، وكيف يعرف الحق في ذلك؟ قال المؤلف: (هذا يكون بأن تبين الأصول المعلومة المتفق عليها، ثم بعد ذلك يتوصل إلى معرفة الحقيقة المتنازع فيها).

يعني: تبين الأصول المعلومة المتفق عليها بين الجميع، فإذا علمت الأصول وبينت ووضحت واتفق عليها الجميع انتقلنا إلى الأصول المختلف فيها، وبينا الحقيقة في ذلك.

فالمؤلف رحمه الله ذكر من الأصول المتفق عليها: انقسام الناس إلى ثلاثة أصناف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: مؤمن باطناً وظاهراً, وكافر باطناً وظاهراً, ومسلم في الظاهر وكافر في الباطن وهو المنافق، فهذا أصل متفق عليه لا يخالف عليه أحد، وهناك أصل آخر سيذكره المؤلف وهو أنه قد جاء في الكتاب والسنة وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان.

فهذان أصلان متفق عليهما.

وقد ذكر الله أقسام الناس في أول سورة البقرة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ولهذا التقسيم أنزل الله في أول سورة البقرة ذكر الأصناف الثلاثة، فأنزل أربع آيات في سورة المؤمنين باطناً وظاهراً، وآيتين في صفة الكفار ظاهراً وباطناً، وبضعة عشرة آية في صفة المنافقين).

والبضع من ثلاثة إلى تسعة، يعني: نزل فيهم ثلاث عشرة آية.

إذاً: في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتان، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ لشدة خطرهم على الإسلام والمسلمين؛ ولأن المنافقين شاركوا الكفار بالكفر وزادوا عليهم بالخداع، فكانوا يظهرون الإسلام خداعاً، أما الكافر فهو عدو مكشوف ظاهراً وباطناً، فاليهودي والنصراني والوثني والشيوعي والملحد كافر ظاهراً وباطناً، وتستطيع الحذر منه، أما العدو الباطن كالمنافق الذي هو كافر في الباطن ومسلم في الظاهر يعيش بين المسلمين، ويخطط ويدبر المؤامرات للقضاء على الإسلام والمسلمين، قد يصلي إلى جنبك وهو منافق فلا تعلمه، فلهذا بيّن الله هذه الأصناف الثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>