[التحذير من التنقيب عن نيات الناس ومقاصدهم]
بعض الإخوان لما خرجنا من الدرس أمس قال: إن بعض الأسئلة التي أجبت عليها يقصد بها كذا وكذا فلابد أن تنبه، فقلت: أنا أجبت على السؤال ولا أدري من يقصد؟ فقال: هؤلاء يقصدون كذا وكذا، قلت: كيف تدخل هذا الشخص في المقاصد والنيات؟ فمن الذي علمك هذا؟ وهل شققت عن قلبه؟ وهذا يحصل كثيراً، ففي ببعض الأحيان يقول بعضهم: هذا السائل يقصد فلاناً من العلماء أو من المحدثين، أو يقصد فلاناً من الملوك أو من رؤساء الجمهوريات، فنقول لهذا: كيف تقول هذا الكلام؟ سؤال هذا الأخ واضح ليس فيه أي إشكال وقد أجبنا عليه، فكيف تقول: إن مقصوده كذا وكذا أشققت عن قلبه؟ فهذه من المصائب التي لم تعرف إلا في هذا الزمان، أعني: الدخول في المقاصد والنيات.
فـ أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قتل ذلك الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها متعوذاً يخشى الموت، قال: أشققت عن قلبه؟ كيف تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة إذا جاءت؟ فما زال يكرر ذلك عليه حتى تمنى أنه لم يسلم قبل ذلك اليوم)، وقد نبهت في أول يوم وقلت: ينبغي للإنسان ألا يسأل إلا أسئلة مفيدة، وليترك الأسئلة التي فيها تعنت وإحراج للمسئول، والتي فيها دخول في المقاصد والنيات، فاتقوا الله يا إخوان! فهذا لم يعرف إلا في هذا الزمن.
لقد انتشرت الآن التحزبات عند بعض الشباب، فترى بعضهم يقول: هذا جهمي، وهذا سروري، وهذا كذا، وهؤلاء تكفيريون يريدون كذا وكذا، فنقول لهؤلاء: هؤلاء إخوانك وزملاؤك فكيف تقول عنهم: إنهم تكفيريون؟ وما هذه التحزبات، فكلكم طلبة علم، وكلكم إخوان، وكلكم من أهل السنة والجماعة، وكلكم درستم التوحيد، فدرستم العقيدة الواسطية، ودرستم الحموية، فكيف هذه التحزبات؟!! فكيف يقول بعضهم: هذا جامي، وهذا تبليغي، وهذا سروري، وهذا تكفيري؟ فينبغي لكم أن تتحدوا وتكون كلمتكم واحدة، فكلكم أهل سنة وجماعة، وكلكم يقول: أنا على معتقد أهل السنة والجماعة، وعلى معتقد الصحابة والتابعين، وعلى ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله، وأنا على عقيدة الرسل والأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء، فما هذه التحزبات التي يخشى أن تقضي على كثير من الحسنات؟! فهي سوء ظن واتهامات وتحزبات صرفت الكثير عن طلب العلم.
فبعض الشباب يريد أن يطلب العلم فيذهب إلى بعض الحلقات فيقولون له: أنت إخواني أم سلفي؟ فإذا كان إخوانياً فإنهم يطردونه، والعكس أيضاً إذا ذهب إلى آخرين يقولون له: أنت سلفي، ويطردونه، فيبقى في حيرة ولا يدري أين يذهب فهؤلاء ويطردونه وهؤلاء ويطردونه!! فاتقوا الله، وتوبوا إلى الله عز وجل، واتركوا هذه التحزبات، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] فهذه التحزبات دخلت فيها أصابع آثمة أرادت تفريق الشباب، وأرادت قتل الصحوة الإسلامية، وفيها أصابع لأعداء الله يريدون من خلالها أن يفرقوا المسلمين، وأن يفرقوا الشباب ويضيعوهم، ويضيعوا عليهم طلب العلم، فلا يجوز للإنسان أن يقول: إن السائل مقصوده كذا وكذا، أأنت تعلم الغيب؟ أشققت عن قلبه؟ هو سأل سؤالاً محدداً فأجبناه عنه، فهل أنت أعرف بالسائل؟ وهل شققت عن قلبه حتى تعرف أنه يريد فلاناً، وأنه يريد رئيس الجمهورية الفلانية، ويريد الملك الفلاني، ويريد المحدث الفلاني؟ فإنه لم يقل شيئاً من هذا في سؤاله.
فالله تعالى يقول في كتابه العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:١٢] ومنه هذا الذي ليس عليه دليل.
وقال بعض السلف: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً، فما دمت تجد لها في الخير محملاً فاحملها على ذلك الخير، وأما أن تحملها على الشر بلا دليل فهذا هو ظن الإثم الذي يحاسب عليه الإنسان، وأما إذا كان هناك دليل على ذلك لا بأس.
وأما أن تدخل في هذه التحزبات فهذا هو الذي يضيع العلم، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويذهب بركة العلم، ويجعل الناس شيعاً وأحزاباً، وقد أراد الله تعالى من المسلمين أن يكونوا إخوة متحابين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
وإذا أشكل عليك شيء، أو اختلفت أنت وأخوك في شيء فاسأل أهل العلم الكبار وقل: ما حكم المسألة الفلانية؟ وأما أن تتهم وتظن ظناً ليس عليه دليل، أو تدخل في المقاصد والنيات بغير دليل فهذا لا يجوز لك وهو حرام عليك، وأنت بذلك آثم، فاتق الله واحذر.
فأرجو ألا يتكلم أحد مثل هذا الكلام، واحذروا هذه التحزبات، فكلكم حزب واحد وهو حزب الله، ومن غلط يرد عليه غلطه، ومن أخطأ يرد عليه خطأه، إلا الشخص الذي يظهر بدعة الخوارج أو بدعة المعتزلة أو بدعة الرافضة أو بدعة المرجئة فهذا يقال له: هذه بدعة، وينصح في ترك هذه البدعة، فنسأل الله للجميع التوفيق والسداد، والسلامة والعافية، فسلامة الصدور لها أثر عظيم.
فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين أصحابه فقال: يمر عليكم رجل من أهل الجنة، فجاء رجل تنطف لحيته، معلقاً نعليه بيديه، وفي اليوم الثاني والثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم نفس الكلام فكان يطلع عليهم ذلك الرجل، فصحبه عبد الله بن عمرو وقال: إني لاحيت أبي، وإني أريد أن أبيت عندك إن شئت، فبات عنده ثلاث ليال ولم يجد عنده كثير عمل إلا أنه كان يستيقظ آخر الليل، وكان كلما استيقظ ذكر الله، فلما انتهت الثلاثة الأيام قال: يا أخي! ليس بيني وبين أبي شيء ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت، فأنا أريد أن أعمل مثل عملك، فما هو العمل الذي نلت به هذه المنزلة؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما أراد أن يولي قال: إلا أنني أبيت ولا أجد في نفسي شيئاً على أحد من المسلمين.
فسلامة الصدر لها تأثير عظيم، فهل يصلح أن يحمل طالب العلم في صدره غلاً لأخيه، فيحقد عليه، ويظن به ظن السوء، ويسميه تكفيرياً، وينزل فيه الألقاب السيئة، ويقول: إنه يريد كذا أو يقصد كذا بدون دليل، فهذا حقد وعداوة وبغضاء لا يتصف بها المؤمن فكيف بطالب العلم؟! نسأل الله للجميع السلامة والعافية.