للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخلاف في قبول توبة الزنديق]

اختلف العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وطائفة من أصحاب الشافعي، وهو قول لـ أبي حنيفة: أن توبته لا تقبل، يعني: في الدنيا، فإذا عرف أنه منافق فلابد أن تقطع رقبته، وإن قال: تبت.

وألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاباً في هذا وسماه (الصارم المرسول على شاتم الرسول) قالوا: الزنديق والذي سب الله أو سب الرسول، أو استهزأ بالله أو برسوله أو بكتابه، أو الساحر، هؤلاء لا تقبل توبتهم، بل يقتلون؛ حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر الغليظ، وكذلك من تكررت ردته، أما ما عداهم من الكفرة إذا ادعى التوبة، فإننا نقبل توبته.

فالقول الأول هو أن هذا يقتل زجراً له ولأمثاله؛ حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر أو غيره، أما ما بينه وبين الله فإن كان صادقاً في التوبة، فالله يقبل توبة الصادقين، وإن كاذباً فلا يقبل الله توبة الكاذبين وهذا في الآخرة، أما في الدنيا فلابد من قطع رقبته.

القول الثاني: أن توبته تقبل، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، وقول في مذهب أبي حنيفة، أي: إذا أخذناه فقال: أنا تائب، فإننا نتركه، ولا نقتله ومن تاب تاب الله عليه.

القول الثالث: التفصيل، وهو أنه إن أخذ قبل التوبة ثم ادعى التوبة لا تقبل توبته، بل لابد أن تقطع رقبته، أما إذا تاب وسلم نفسه، فإنها تقبل توبته؛ لأنه ما سلم نفسه إلا لأنه تائب.

وهذا القول لعله أعدلها، فإنه إذا سلم نفسه كان مثل المحاربين، وقد قال الله تعالى عن المحاربين وقطاع الطريق: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:٣٣]، ثم قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:٣٤] يعني: إذا سلموا أنفسهم قبل القبض عليهم، فهؤلاء تقبل توبتهم.

فهنا بين الله تعالى في كتابه أن المحارب وهو قاطع الطريق إن سلم نفسه قبلنا توبته، وإن قبضنا عليه ثم ادعى التوبة فلا تقبل توبته، فكذلك الساحر وكذلك الزنديق وكذلك المنافق له هذا الحكم.

وهذا أعدل الأقوال، فإن القول الأول يقتل مطلقاً، والقول الثاني لا يقتل مطلقاً، والقول الثالث يقتل إذا قبضنا عليه قبل أن يسلم نفسه، ولا يقتل إذا سلم نفسه قبل أن نقبض عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>