[شبهة ملاحدة الصوفية في حقيقة الدين والرد عليهم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد أشبه هؤلاء في بعض الأمور ملاحدة المتصوفة، الذين يجعلون فعل المأمور وترك المحظور واجباً على السالك، حتى يصير عارفاً محققاً في زعمهم، وحينئذ يسقط عنه التكليف، ويتأولون على ذلك قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] زاعمين أن اليقين هو ما يدعونه من المعرفة، واليقين هنا الموت وما بعده، كما قال تعالى عن أهل النار: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٥ - ٤٨].
قال الحسن البصري: إن الله لم يجعل لعباده المؤمنين أجلاً دون الموت، وتلا هذه الآية.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي عثمان بن مظعون: (أما عثمان بن مظعون فقد أتاه اليقين من ربه)].
يعني: أن ملاحدة الفلاسفة وملاحدة القرامطة الذين يقولون: إن الشريعة لها ظاهر وباطن، ولا يعملون بالشريعة؛ لأنهم يعتقدون في الباطن الكفر والإلحاد، فملاحدة الصوفية يشبهون ملاحدة الفلاسفة والقرامطة الذين قالوا: الشريعة لها ظاهر ولها باطن كما سبق، فالظاهر للمسلمين والباطن لهم، وملاحدة الصوفية يشبهونهم من جهة أنهم يقولون: الأوامر والنواهي والشريعة إنما تلزم العوام ولا تلزم الخواص، فالصوفي عندهم يسمونه السالك ويسمونه الفقير وله أسماء أخرى عندهم، فالسالك عندهم تلزمه التكاليف من الأوامر والنواهي والصلاة حتى يصل إلى درجة المعرفة عندهم واليقين، فإذا وصل إلى المعرفة سقطت عنه التكاليف، ويصل إلى درجة المعرفة عندهم إذا شاهد الحقيقة الكونية، وإذا شاهد القدر وعلم أن ما قدر سيكون، وألغى صفاته وجعلها صفات الله، فهذا قد وصل إلى الحقيقة، ويستدلون بمثل قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] ويفسرون اليقين بالمعرفة، فمن وصل إلى المعرفة سقطت عنه التكاليف.
وهذا لا شك أنه كفر وضلال، بل المعلوم من دين الإسلام بالضرورة كما قرر أهل العلم كـ شيخ الإسلام وغيره أن من قال: إن أحداً يسقط عنه التكليف وعقله معه فإنه كافر بإجماع المسلمين، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه لا يوجد أحد رفع عنه التكليف، إلا إذا رفع العقل كالشيخ المخرف الكبير والمجنون والصغير.
فهؤلاء الملاحدة يقولون: يسقط التكليف عن الخواص، ويقسمون الناس إلى عوام وخواص، فالعامة عليهم تكليف من أوامر ونواه، وطاعات ومعاص، أما الخاصة فيسقط عنهم التكليف.
بل إن الصوفية يقسمون الناس إلى ثلاثة أقسام: عامة، وخاصة، وخاصة الخاصة.
فالعامة الذين كلفوا بالأوامر والنواهي.
والخاصة الذي تسقط عنهم الأوامر والنواهي، ليس عليهم تكليف، وكل أعمالهم طاعات ليس فيها معاص، وأي شيء يفعلونه طاعة؛ لأنه يوافق القدر، فالزنا منهم طاعة والسرقة طاعة والكفر طاعة.
يقول أحدهم: أنا إن عصيت أمر الله الشرعي فقد وافقت أمر الله الكوني، ووافقت الإرادة الكونية.
أما خاصة الخاصة فليس هناك طاعات ولا معاص، وهم الذين يقولون بوحدة الوجود، يقولون: إن الوجود واحد، وليس هناك رب ولا عبد، فأنت الرب وأنت العبد، ولذا قال ابن عربي رئيس وحدة الوجود: الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف يعني: لا أدري من المكلف.
إن قلت عبد فذاك ميت أو قلت رب أنى يكلف يعني: التبس عليه الأمر، فقال: الرب هو العبد والعبد رب، ويقول أيضاً: رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك.
ويقول: ليس في الوجود واحد، فالخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق.
نقول: هذا ضلال وكفر وزيغ ووهم وحيرة وشك.
ويقول: سر حيث شئت فإن الله ثم وقل ما شئت فيه فإن الواسع الله يعني: كل ما تراه هو الله -نعوذ بالله- فهذا من أعظم الكفر والإلحاد، نسأل الله السلامة والعافية، والسبب في ذلك أنهم يشاهدون الحقيقة الكونية فتسقط عنهم التكاليف.