وذكر الله من أوصافهم قوله:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}[المنافقون:٨].
وهذه الكلمة قالها عبد الله بن أبي عندما حصل نزاع بين بعض المهاجرين وبعض الأنصار، والمهاجرون هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، والأنصار هم الذين نصروهم واستقبلوهم في المدينة حتى أعز الله المسلمين.
والنزاع الذي حدث بين بعض الشباب من الأنصار والمهاجرين أن مهاجريا كسع أنصارياً، فتنادى هؤلاء وهؤلاء، وبلغ ذلك عبد الله بن أبي، فقال: أوفعلوها، وقال: ما حالهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك! يعني: جئنا بهم إلى المدينة والآن صاروا ضدنا.
ثم قال: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ويقصد بالأعز نفسه، وبالأذل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فسمعها زيد بن أرقم، فأنزل الله:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:٨]، ولما سمع عبد الله بن أبي ابنه عبد الله، وكان من أصلح عباد الله، جاء ووقف أمام أبيه بالسيف، وقال: والله لا تدخل المدينة؛ حتى تكون أنت الأذل والرسول هو الأعز! وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إني سمعت أنك تقتل عبد الله -يعني أباه- وإني لا أستطيع أن أرى قاتل أبي، ولكن إن أردت قتله، فأمرني أن آتيك برأسه! فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: لا، نستبقيه؛ حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، فأنزل الله قوله:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:٨] أي: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين أبداً دائماً إلى يوم الدين، رغم أنوف الكافرين والمنافقين، واليهود والنصارى، {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:٨] أي: لا يعلمون أن العزة باقية لله ولرسوله وللمؤمنين.
فنسأل الله أن يعزنا بطاعته، ونسأل الله أن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الشرك وأهله، وأن يخذل الكفار والمنافقين ويهلكهم، ويقطع دابرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.