[تخذيل المنافقين للمؤمنين وحمل الأحقاد عليهم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى فيها أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:١١٨] إلى قوله: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:١١٩ - ١٢٠]].
الآية الأولى فيها تحذير من المنافقين واتخاذهم بطانة يفشى إليهم الأسرار ويؤتمنون، فالله تعالى نهى المؤمنين أن يتخذوا بطانة من الكفار؛ لأنهم أعداء لا يؤتمنون، فقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:١١٨] يعني: من غير المؤمنين، أي: لا تتخذوا بطانة من اليهود ولا النصارى ولا الوثنيين ولا الشيوعيين وغيرهم، فكل هؤلاء أعداء.
قوله تعالى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران:١١٨] يعني: لا يقصرون في الشر والعداوة والإيذاء وإيصال الضرر إليكم؛ لأنهم أعداء.
قوله: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:١١٨] يعني: يودون الشيء الذي يعنتكم ويشق عليكم ويعييكم، فهم يفرحون به ويتمنونه.
قوله: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران:١١٨] أي: تخرج كلمات وتفلت من ألسنتهم تدل على عداوتهم.
قوله: {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨] أي: من شدة ما في قلوبهم من الغيظ والنفاق تبدو أحياناً على اللسان الكلمات التي تدل على ما في صدورهم من الشر والعداوة؛ لأنه إذا امتلأ صدره شراً وعداوة، فإنه كالقدر الممتلئ لا بد أن يفور ويظهر شيء منه.
وهذا موجود في القديم وفي الحديث، فبعض الكفرة وبعض رؤسائهم يصرح مثلاً بالعداوة والحرب على الإسلام والمسلمين، ويعلنها حرباً صليبية وما أشبه ذلك، فتبدو على فلتات ألسنتهم، كما قال الله: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨] أي: الذي في صدروهم من الغيظ والعداوة والبغضاء أكبر وأعظم مما يظهر على ألسنتهم.
ثم قال الله: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:١١٨] أي: إن كنتم تعقلون ما ينفعكم وما يضركم، فالله تعالى قد بين لكم.
ثم قال بعد ذلك: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:١١٩] هذه الآية فيها دلالة على أن النفاق يكون في أهل الكتاب.
ثم قال سبحانه بعد ذلك: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران:١٢٠] أي: إذا أصابكم نصر وعز وسلامة وغنيمة ساءهم ذلك، {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران:١٢٠] أي: إذا أصابكم جدب وقحط وهزيمة فرحوا بذلك.
ثم قال الله: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:١٢٠] لو طبق المسلمون هذه الآية لانتصروا على الكفار، فلابد من صبر وتقوى، والتقوى هي توحيد الله وإخلاص الدين له وأداء الواجبات وترك المحرمات، ومن ذلك إعداد العدة للكفرة، والجهاد بالعدة الروحية والمعنوية والحسية، والأسلحة المناسبة في كل وقت وفي كل زمان والتدرب عليها مع الإيمان والتقوى.
وما أصاب المسلمين من كيد الكفار فهو بسبب التقصير في الشرع، إما التقصير في الصبر أو التقصير في التقوى.
قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:١٢٠] أي: لا يخفى عليه شيء من أحوالهم، فهم في قبضته وتحت تصرفه، فلا يضركم كيدهم بشرط الصبر والتقوى.