وأول من قال بالإرجاء: حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة في الكوفة، قال: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان.
وهؤلاء طائفة من أهل السنة، يقولون: إن الأعمال مطلوبة، ولكن لا نسميها إيماناً، بل الإيمان شيئان فقط: الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب، أما الأعمال: كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها فواجبة، لكن ليست إيماناً.
فالإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل، وهؤلاء طائفة من أهل السنة، ويقولون: إن خلافنا مع الجمهور خلاف لفظي لا يترتب عليه أي فساد في العقيدة؛ لأننا متفقون على أن الأعمال مطلوبة وواجبة، لكن الخلاف بيننا: هل هي إيمان أو ليست إيماناً؟ فنحن نقول: ليست من الإيمان، وأنتم تقولون: من الإيمان، ونحن متفقون على أنها واجبة ومطلوبة، وأن من أدى الواجبات أثابه الله، ومن ترك الواجبات فهو آثم متعرض للعقوبة، ويقام عليه الحد.
ويقولون: إن الأعمال التي سميت إيماناً إنما هي تسمية مجازية لا حقيقية، كما في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:١٤٣]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيماناً تسمية مجازية.
وكذلك الكفر عندهم هو الجحود فقط، أما الأعمال فإذا سميت كفراً فإنما هي تسمية مجازية، وهكذا.
قال بعض العلماء وبعض الذين شرحوا الطحاوية: إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة خلاف لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة.
فالأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد يرون أن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح.
والإمام أبو حنيفة يرى أن الإيمان شيئان: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، أما عمل الجوارح فهو واجب آخر، ونحن متفقون على أن الأعمال مطلوبة، والخلاف بيننا وبينهم التسمية فقط.