[اتحاد استدلال الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى: (إنما يتقبل من المتقين)]
ذكر المؤلف رحمه الله هنا حجج الخوارج وحجج المرجئة، وبين الجواب الصحيح.
فالخوارج مذهبهم: أن مرتكب الكبيرة يحبط إيمانه كله ويخرج من دائرة الإيمان، ويستدلون على هذا المذهب الباطل بأدلة من القرآن من غير تأويل.
والمرجئة يقولون: الإيمان لا يضر معه أي معصية وأي كبيرة.
واحتجوا على ذلك من القرآن، فالمؤلف رحمه الله يبين بطلان وجه احتجاجهم من النصوص، ويبين الجواب الصحيح.
فالخوارج احتجوا بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧]، وقالوا: صاحب الكبيرة ليس من المتقين فلا يتقبل الله منه عملاً، فلا يكون له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان، فلا يكون معه إيمان، فيستحق الخلود في النار.
أجابتهم المرجئة وقالوا: المراد بالمتقين من يتقي الكفر، وقالوا: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب، فالذي يتقي الكفر يقبل منه أي عمل، والذي يفعل الكبيرة واتقى الكفر ما وصل إلى الكفر فلا يحبط عمله، ولا يضره فعل الكبيرة.
واحتجت المرجئة على أن اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب، بمثل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٤ - ٥٥].
وقالوا: ابنا آدم قابيل وهابيل حينما قتل أحدهما أخاه؛ لأنهما قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فقتل أحدهما الآخر.
وهما حين قربا قرباناً لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافراً، وإنما كفر بعد القتل، وقبل ذلك ما كان كافراً إذ لو كان كافراً لم يتقرب.
وأيضاً قالوا لهم: ما زال السلف يخافون من هذه الآية: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧]، ولو أريد بها من يتقى الكفر لم يخافوا؛ لأنهم اتقوا الكفر، فدل على أنهم خافوا ما دون الكفر.
وأيضاً: فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر لا أصل له في خطاب الشارع، فلا يجوز الحمل عليه.