[سقوط عقوبة الذنب بأعمال البر التي تعمل عن الميت وانتفاعه بها]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السبب الخامس: ما يعمل عنه من أعمال كالصدقة ونحوها، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة واتفاق الأئمة رحمهم الله، وكذلك العتق والحج، بل قد ثبت في الصحيحين أنه قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، وثبت مثل ذلك في الصحيح في صوم النذر من وجوه أخرى، ولا يجوز أن يعارض هذا بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم:٣٩]، لوجهين: أحدهما: أنه قد ثبت بالنصوص المتواترة وإجماع سلف الأمة أن المؤمن ينتفع بما ليس من سعيه، كدعاء الملائكة واستغفارهم له، كما في قول الله تبارك وتعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:٧ - ٩].
الثاني: أن الآية ليست في ظاهرها إلا أنه ليس له إلا سعيه، وهذا حق فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه، وأما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه، لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله تعالى ويرحمه به، كما أنه دائماً يرحم عباده بأسباب خارجة عن مقدورهم، وهو سبحانه بحكمته ورحمته يرحم العباد بأسباب تفعلها العباد ليثيب أولئك على تلك الأسباب، فيرحم الجميع كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما من رجل يدعو لأخيه بدعوة إلا وكل الله به ملكاً كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل).
وكما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال:(من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان أصغرهما مثل أحد)، فهو قد يرحم المصلي على الميت بدعائه له، ويرحم الميت أيضاً بدعاء هذا الحي له].