قال المؤلف:(وليس كذلك بل هذه الآية توافق الآية الأولى) أي: أن آية الذاريات توافق آية الحجرات؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمناً، قال:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٣٥]، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين، وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، فقال تعالى:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:٣٦]، أي: ومنهم امرأة لوط، ولكن من حصل لهم الإخراج وصفهم الله بالإيمان، وامرأة لوط ليست من المخرجين، وأما الموجودون في البيت فقد وصفهم جميعاً بالإسلام فقال:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:٣٦]، وامرأة لوط كانت كافرة، هي موجودة معهم في البيت، فلما كانت معهم وصفهم الله بالإسلام؛ لأنها كانت تظهر أنها على دين زوجها، وهي في الحقيقة على دين قومها، ولذلك لم يخرجها الله معهم، وقال:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٣٥] ومعهم المرأة؛ لأنها من الذين أظهروا الإسلام.
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله:(وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا، بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب) كما قال تعالى: {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ}[الشعراء:١٧١] أي: في الباقين، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، فتظهر الإسلام، وفي الباطن مع قومها على دينهم، خائنة لزوجها تدل قومها على أضيافه، فإذا جاء إلى لوط أضياف دلت عليهم، كما قال الله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[التحريم:١٠] وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش؛ لأن زوجة النبي مصونة العرض، وإنه ما بغت امرأة نبي قط، وهذا من صيانة الله لأنبيائه.