للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان الرد على الوعيدية بآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد قال الله في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

فجعل ما دون ذلك الشرك معلقاً بمشيئته].

هذه الآية فيها رد على المعتزلة، ووجه الرد من الآية قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

فخص الله الشرك بأنه لا يغفر، وعلق ما دونه بالمشيئة، فدل على أن العاصي تحت المشيئة؛ لأن معصيته دون الشرك، فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، وإذا عذبه فإنه يخرج من النار بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين كما دلت على ذلك النصوص.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب، فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره].

قوله: (لا يجوز أن يحمل هذا) الإشارة تعود إلى الحكم الذي دلت عليه الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

أي: فلا يقول قائل في التائب؛ لأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره، والتوبة تجب ما قبلها سواء كان شركاً أو غير شرك، فمن تاب من الشرك قبل الله توبته إذا كانت توبة نصوحاً، ومن تاب من الزنا أو السرقة أو الربا قبل الله توبته، والآية فرقت بين الشرك وغيره: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

فدل على أن هذا في غير التائبين؛ لأن الله تعالى فرق بين الشرك وغيره، فخص الشرك بأنه لا يغفر وعلق ما دونه تحت المشيئة، أما التوبة فإنها تجب ما قبلها أياً كانت، كالتوبة من الشرك أو الكفر أو النفاق أو الزنا أو السرقة، فإذا كانت التوبة نصوحاً وجاء التائب بشروطها: أن تكون التوبة لله، وأقلع عن المعصية، وندم على ما مضى، وعزم على عدم العودة إليها، ورد المظلمة إلى أهلها، وكانت التوبة قبل الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، فهذه مقبولة من كل شخص، حتى من المثلثة النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، فقد عرض الله عليهم التوبة بقوله: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة:٧٤].

فهذه الآية في غير التائبين، بخلاف آية الزمر فإنها في التائبين كما سيذكر المؤلف رحمه الله وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣].

فهذه أجمع العلماء على أنها في التائبين؛ لأن الله عمم وأطلق، فقال: {إِِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣]، أي ذنب: سواء كان كفراً، أو شركاً، أو نفاقاً، فعمم وأطلق ولم يخصص ولم يقيد، فدل على أنها في التائبين، فآية الزمر في التائبين، وآية النساء في غيرهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كما قال تعالى في الآية الأخرى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣]، فهنا عمم وأطلق؛ لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق].

قوله: (هناك): الإشارة تعود إلى آية النساء، و (هنا) الإشارة تعود إلى آية الزمر.

والتخصيص هو تخصيص الشرك بأنه لا يغفر، وعلق ما دون الشرك على المشيئة فقال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، وفي آية الزمر عمم وأطلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>