في هذا الحديث فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والإيمان، ففسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالاعتقادات الباطنة، وجاء في القرآن أيضاً ما يدل على التفرقة بينهما، كقوله سبحانه:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[الأحزاب:٣٥]، فرق بينهما.
وكذلك قول الله عز وجل في سورة الحجرات:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات:١٤]، وفي حديث سعد بن أبي وقاص:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بعض الناس عطايا يتألفهم على الإسلام وترك رجلاً هو أعجبهم إلي، فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً) يعني: ما وصل إلى درجة الإيمان، (قال: فسكت ثم غلبني ما أجد فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان! فوالله إني لأراه مؤمناً، فقال: أو مسلماً، فسكت ثم غلبني أجد فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان فو الله إني لأراده مؤمناً فقال: أو مسلماً، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي مخافة أن يكبه الله على وجهه في النار) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعطي العطاء حتى يتألفهم على الإسلام، فمن كان قوي الإيمان لا يعطيه، بل يتركه لإيمانه، ومن كان ضعيف الإيمان يعطيه؛ حتى لا يرتد عن دينه، وحتى يتقوى إيمانه، وهذا فيه فرق بين الإيمان والإسلام.
واختلف العلماء في الإيمان والإسلام هل هما شيء واحد أو شيئان؟ فذهب بعض أهل السنة إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد، وأن الإسلام هو الإيمان والإيمان هو الإسلام، وعلى رأسهم الإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي فقالوا: الإيمان والإسلام شيء واحد، وشاركهم فيها بعض البدع كالخوارج والمعتزلة وقالوا: إن الإيمان هو الإسلام.
وأجابوا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم:(الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله)، قالوا: هذا على تقدير محذوف، والتقدير: شعائر الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.
وقالوا: إن آية الحجرات: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات:١٤]، في المنافقين؛ لأن الله نفى عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام في الظاهر؛ لأن المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
وذهب جمهور العلماء والمحققون من أهل العلم: إلى أن الإسلام والإيمان شيئان، وأنهما إذا اجتمعا كان لكل واحد منهما معنى، أما إذا أفرد أحدهما وتجرد عن الآخر فإنه يدخل فيه الآخر، فإذا أفرد الإسلام دخل فيه الإيمان، وإذا أفرد الإيمان دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة، كما في حديث جبرائيل.
وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء وعليه المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم.