للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول الجمهور فيمن أثبت الإسلام دون الإيمان]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الجمهور من السلف والخلف: بل هؤلاء الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان، قد لا يكونون كفاراً في الباطن، بل معهم بعض الإسلام المقبول].

هذا هو القول الثاني: أن المسلم غير المؤمن، فالمسلم هو الذي دخل في الإسلام ولكنه مقصر في بعض الواجبات، أو فاعل لبعض المحرمات، والمؤمن هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، فالآيات التي أثبتت الإسلام ونفت الإيمان محمولة على ضعيف الإيمان، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية وجمهور من السلف والخلف.

مثل قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤]، والأعراب ليسوا كلهم منافقين، ولكنهم ضعيفو الإيمان، دخلوا في الإسلام وعندهم ضعف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهؤلاء يقولون: الإسلام أوسع من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً].

الإسلام أوسع دائرة من الإيمان؛ لأن الإسلام يطلق على العاصي وعلى المطيع، أما الإيمان فلا يطلق إلا على المطيع، فالعاصي لا يسمى مؤمناً بإطلاق، وكل المسلمين يدخلون في الإسلام، العصاة والمطيعين؛ لكن الإيمان لا يدخل فيه إلا المطيع، ودائرته أضيق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) إنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام].

هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي وابن حبان والبغوي وابن أبي شيبة وغيرهم.

وفي هذا الحديث نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق والشارب، وفي لفظ: عن الناهب قال: (ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن).

وهذه فسرها الجمهور فقالوا: إن الزاني والسارق خرجوا من الإيمان عند الإطلاق إلى الإسلام، فيسمى الزاني مسلماً ولا يسمى مؤمناً؛ لأنه فعل كبيرة، وإلا فمعه أصل الإيمان، وليس بكافر، فالإسلام لابد له من إيمان، فيؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لكن لما فعل الكبيرة لم يسم مؤمناً حتى يتوب فيسمى مسلماً.

وكذلك السارق وشارب الخمر عند جمهور أهل السنة، فلا نقول عن الزاني إنه مؤمن ولا نقول ليس بمؤمن، بل نقول: إنه مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي لا نقول: إن الزاني ليس بمؤمن لأن هذا معناه أنه كافر، ولكن نقول: ليس بصادق الإيمان، وليس بمؤمن حقاً، وهذا مذهب جماهير أهل السنة وعلى رأسهم، شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ودوروا للإسلام دارة، ودوروا للإيمان دارة أصغر منها في جوفها، وقالوا: إذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر.

].

جعلوا دائرتين دائرة كبيرة وفي وسطها دائرة صغيرة وقالوا: إذا أدى المؤمن الواجبات وترك المحرمات فهو في الدائرة الصغيرة، فإذا زنا خرج من الدائرة الصغيرة إلى الدائرة التي هي أكبر منها، فإذا خرج من الدائرة التي أكبر منها خرج إلى الكفر، فيكون للإسلام دائرة، في وسطها دائرة صغيرة، ومن وراء الإسلام دائرة كبرى، فالمؤمن إذا أدى الواجبات وترك المحرمات صار في الدائرة الصغيرة، وإذا زنى أو فسق أو سرق خرج من الدائرة الصغيرة إلى دائرة الإسلام، وإذا فعل مكفراً خرج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، نسأل الله السلامة والعافية.

ودائرة الإحسان تكون دائرة أصغر من دائرة الإسلام، فدائرة الإحسان صغيرة ثم أكبر منها دائرة الإيمان، ثم دائرة الإسلام، ثم بعد ذلك دائرة الكفر.

والإحسان: أن يعبد الله على المشاهدة، ويراقب ربه، والمؤمن هو الذي فعل الطاعات وترك المحرمات، لكن ما وصل إلي درجة المراقبة والمشاهدة التي هي درجة الإحسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>