قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أدم مقروض لم تحصل من ترابها)].
فـ علي رضي الله عنه لما كان أميراً على اليمن بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في جلد مدبوغ بالقرض.
وقوله: لم تحصل من ترابها أي: أنها لم تخلص من تراب معدنها؛ لأن الذهب إذا استخرج من الأرض يكون قطعة من الذهب، ثم بعد ذلك يجعل جنيهات، ويجعل حلياً، وغير ذلك، فهذه قطعة من الذهب أخذت من التراب على حالها ولم تصغ، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين أربعة أشخاص من رؤساء القبائل في نجد وغيرها؛ لأنهم أسلموا حديثاً حتى يقوى إسلامهم.
فلما رأى رجل ذلك، قال: اعدل يا محمد! فطلب خالد رضي الله عنه قتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم منعه من قتله، وقال:(إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم -وهم الخوارج- تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم) وهذا هو أصل الخوارج.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [(قال: فقسمها بين أربعة نفر، فقال رجل من أصحابه: كنا أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء، قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله! اتق الله، فقال: ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله)].
هذا الرجل وصفه: أنه غائر العينين من الغور، أي: عيناه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بمقر الحدقة، وهو ضد الجحوض، ومشرف الوجنتين أي: بارز العظمين المشرفين على الخدين، وناشز الجبهة أي: مرتفعة جبهته، كث اللحية، محلوق الرأس، وهذه سيما الخوارج، كما في الحديث:(سيماهم التحليق) فعلامة الخوارج حلق الرأس، يشددون ويتعبدون بحلق الرأس حتى يكون أبيض من شدة الحلق بالموسى.
فقال هذا الرجل: اتق الله، يا رسول الله! كيف تعطي الذهب بين أربعة ولا تعطينا؟ وفي اللفظ الآخر قال: اعدل.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله)، وفي اللفظ الآخر أنه قال:(ويلك فمن لم يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله).
فهذا الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم هو أصل الخوارج.