[إنكار الله على المؤمنين بسبب اختلافهم في المنافقين]
قال سبحانه:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}[النساء:٨٨] هذا إنكار على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين.
وسبب نزول هذه الآية: أنه لما رجع طائفة من المنافقين في غزوة أحد اختلف الصحابة فيهم، فقالت طائفة: نقتلهم لنفاقهم، وقالت طائفة: لا نقتلهم، فأنزل الله فيهم هذه الآية:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}[النساء:٨٨] فئة تقول: نقتلهم، وفئة تقول: لا نقتلهم.
قوله:{وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}[النساء:٨٨] أي: ردهم إلى ما كانوا عليه.
قوله:{أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}[النساء:٨٨]، فيه دليل على أنهم ضالون؛ لكفرهم ونفاقهم.
قوله:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}[النساء:٨٨] أي: من أضله الله فلا يستطيع أحد أن يهديه؛ لأنه سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، وما أضلهم سبحانه وتعالى إلا عقوبة لهم، حيث إنه تبين لهم الحق واتضح لهم ثم عدلوا عنه فعوقبوا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥] فالزيغ الأول هو أنهم مالوا وزاغوا عن الحق بعد وضوحه لهم، وعوقبوا بالزيغ الثاني الذي هو أن الله أزاغ قلوبهم.
وقال سبحانه في الآية الأخرى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام:١١٠] فكانت العقوبة تقليب القلوب والأبصار؛ بسبب أنهم لم يؤمنوا به أول مرة بعد وضوح الحق لهم، {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:٢٦]، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[آل عمران:١١٧].
وفيه دليل على أن الله هو الهادي وهو المضِل، وهو سبحانه يقذف الهداية إلى القلب فضلاً منه وإحساناً، وهو المضل لمن شاء حكمة منه وعدلاً، وهذا فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن الإنسان هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه، والله لا يهدي أحداً ولا يضل أحداً، ويجيبون على الآية بقولهم: إن تسمية الله نفسه بأنه الهادي والمضل هو من باب التسمية فقط، وإلا فالعبد هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه، وهذا باطل، قال تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:١٧٨]{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}[النساء:٨٨].