[بطلان مذهب المعتزلة في التوحيد والعدل]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن العجب أن المعتزلة يفتخرون بأنهم أهل التوحيد والعدل وهم في توحيدهم نفوا الصفات نفياً يستلزم التعطيل والإشراك، وأما العدل الذي وصف الله به فهو ألا يظلم مثقال ذرة، وأنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وهم يجعلون جميع حسنات العبد وإيمانه حابطاً بذنب من الكبائر، وهذا من الظلم الذي نزه الله تعالى نفسه عنه، فكان وصف الرب تعالى بالعدل الذي وصف به نفسه أولى من جعل العدل هو التكذيب بقدر الله تعالى].
من العجب أن المعتزلة يفتخرون بأنهم أهل التوحيد والعدل، والمعتزلة عندهم في أصول الدين خلط، وكل أصل ستروا تحته معنى باطلاً، وعند أهل السنة أصول الإيمان: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
وبدلاً من أصول الدين عند أهل السنة ألغى المعتزلة هذه الأصول وأحدثوا أصولاً لهم، فأصول الدين عند المعتزلة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكل أصل من هذه الأصول ستروا تحته معنى باطلاً، فالتوحيد ستروا تحته: نفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وأن الله تعالى لا يرى في الآخرة، فمعنى التوحيد عندهم نفي الصفات، ومن أثبت الصفات كان مشركاً؛ لأنه شبه الله بخلقه، ومن أثبت أن القرآن كلام الله وأن الله يرى في الآخرة فهو مشرك عند المعتزلة.
والعدل ستروا تحته: التكذيب بالقدر، والقول بأن الله لا يخلق المعاصي ولا يعذب عليها إلا أن يكون ظالماً.
وفي المنزلة بل المنزلتين قالوا: مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فهو في منزلة بين الإيمان والكفر.
وإنفاذ الوعيد قالوا: مرتكب الكبيرة لابد أن ينفذ الله فيه الوعيد ويخلده في النار.
والأمر بالمعروف ستروا تحته إلزام الناس بآرائهم واجتهاداتهم الباطلة، والنهي عن المنكر ستروا تحته: الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والظلم، فهذه أصول المعتزلة.
ومن العجب أنهم يقولون: نحن أهل التوحيد والعدل، ويفتخرون بذلك، وهم ينفون الصفات، ويكذبون بالقدر.
المؤلف رحمه الله يقول: ومن العجب أن المعتزلة يفتخرون بأنهم أهل التوحيد والعدل، وهم في توحيدهم نفوا الصفات نفياً يستلزم التعطيل، قالوا: إن الله ليس له سمع ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا رحمة ولا صوت ولا هو فوق ولا تحت، فعطلوا الرب، بل إن الشيء الذي ليس له اسم ولا صفة لا يوجد إلا في الذهن، وبذلك شبهوا الله بالمعدوم فأشركوا، فصار توحيدهم يستلزم التعطيل والإشراك.
وأما العدل فإنهم يقولون: العدل معناه القول بأن أفعال العباد هم الذين خلقوها، والله تعالى لا يقدر على خلقها، فالعباد خلقوا الطاعات والمعاصي، ولهذا يستحقون الثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته، ويجب على الله أن ينفذ الوعيد في العاصي ولا يغفر له ولا يرحمه.
وأما وجوب إنفاذ الوعيد: فهم يرون وجوب تخليد العصاة في النار، يقولون: العدل منه أنه لا يخلف وعيده، ويجب على الله أن يجازي المطيع؛ لأنه هو الذي خلق فعله، والعبد إذا فعل الكبيرة حبط إيمانه وخرج من الإيمان، وهذا ليس بعدل بل هو ظلم.
وذكر المؤلف أن العدل الذي وصف الله به نفسه هو أنه لا يظلم مثقال ذرة وأن من {يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨]، فلا يمنع أحداً من ثواب حسناته، ولا يحمل أحداً أوزار غيره، فلا يظلم مثقال ذرة، بل من عمل أي عمل ولو مثقال ذرة من الخير يجده أو من الشر يجده، قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨].
وهم -أي: المعتزلة- يجعلون جميع حسنات العبد وإيمانه حابطاً بذنب واحد من الكبائر، ويقولون: إذا زنى أو سرق أو شرب الخمر أو تعامل بالربا حبط العمل كله، وخرج من دائرة الإيمان، وخلد في النار، وهذا ظلم نزه الله نفسه عنه؛ فكان وصف الرب سبحانه بالعدل الذي وصف به نفسه أولى من جعل العدل هو التكذيب بقدر الله.
وذلك أن الله تعالى نزه نفسه عن الظلم، والظلم الذي نزه الله نفسه عنه هو وضع الشيء في غير موضعه؛ بأن يمنع أحداً من ثوابه لحسناته أو يحمله أوزار غيره، وهم جعلوا العدل التكذيب بالقدر، والقول بأن الله لا يخلق أفعال العباد، وأن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم من طاعات أو معاص، ويوجبون على الله أن يثيب المطيع، وأن يعذب العاصي، فالله أولى بوصف العدل الذي وصف به نفسه وهو أن لا يحرم أحداً من ثوابه أو يحمله وزر غيره.