[المنافقون يسارعون في الإثم والعدوان وأكل السحت وتولي الكفار]
قال سبحانه:{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}[المائدة:٥٣] وهم المنافقون، قال الله عنهم:{حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة:٥٣].
وقال تعالى في نفس السورة في وصف المنافقين:{وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ}[المائدة:٦١]، أي: إذا جاء المنافقون إلى المسلمين قالوا: آمنا وأظهروا لهم الإسلام، وإذا ذهبوا إلى رؤسائهم وإلى الكفار قالوا: نحن معكم كما قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}[البقرة:١٤]، وهنا قال سبحانه:{وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ * وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المائدة:٦١ - ٦٢]، فهذه أوصافهم: المسارعة في الإثم والعدوان، وأكل السحت.
وقال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة:٧٧]، فنهى الله أهل الكتاب عن الغلو في الدين، والغلو: هو مجاوزة الحد، ومن الغلو في الدين أن النصارى غلوا في عيسى حتى جعلوه إلهاً يعبد مع الله.
قال تعالى:{وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة:٧٧]، فنهاهم الله عن اتباع الضالين.
ثم قال سبحانه:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}[المائدة:٧٨] إلى قوله: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[المائدة:٨٠]، فمن وصف المنافقين تولي الكفرة.
{لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ}[المائدة:٨٠]، لعدم إيمانهم، حيث إنهم يريدون أن يخادعوا هؤلاء وهؤلاء، قال الله:{أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}[المائدة:٨٠]، أي: سخط الله عليهم بسبب موالاتهم الكفرة، فخلدهم في النار.
ثم بين سبحانه أن اتخاذ الكفار أولياء ينافي الإيمان، فلا يجتمع الإيمان واتخاذ الكفرة أولياء، قال سبحانه:{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة:٨١] أي: لو كانوا يؤمنون بالله ورسوله حقيقة ما اتخذوا الكفار أولياء يحبونهم ويساعدونهم ويعينونهم على المسلمين، {وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة:٨١].