للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول بعدم كون الإسلام والإيمان شيئاً واحداً

القول الثاني: وهو قول جمهور أهل السنة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الإيمان والإسلام ليسا شيئاً واحداً، بل إذا اجتمعا فإن الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة، والإيمان يفسر بالأعمال الباطنة، وإذا أفرد أحدهما بالذكر دخل فيه الآخر.

وأجابوا عن هذه الآية: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٥ - ٣٦] بأنه بيت واحد تحقق فيه وصف الإيمان، ووصف الإسلام، فلوط وابنتاه اتصفوا بالإسلام والإيمان، وزوجة لوط اتصفت بالإسلام.

قالوا: وأما آية الحجرات فإنها تتحدث عن ضعفاء الإيمان، وليست في المنافقين، فقوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤] يعني: ولكن قولوا أسلمنا؛ لأنهم لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وهم أظهروا الإسلام، ولكنهم لا يطلق عليهم الإيمان لضعف إيمانهم، ويدل على ذلك أن هذه السورة ليست في المنافقين، وإنما هي في العصاة، وتسمى سورة الآداب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات:٦]، وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:١١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات:١٢]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى} [الحجرات:١٣]، ثم قال: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤] ثم قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤] يعني: أنه متوقع دخوله، {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:١٤]، فأثبت لهم طاعة، ولو كانت في المنافقين لما أثبت لهم طاعة، ثم قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات:١٧]، فأثبت لهم إسلاماً.

فدل على أن هذه الآية في ضعفاء الإيمان، وهذا هو الأرجح، ولهذا فإن المؤلف رحمه الله ذكر القولين، قال: (وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية، وهي: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٥ - ٣٦] تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد، وعارضوا بين الآيتين) وبين المراد بهذه الآية وآية الحجرات، فآية الحجرات أثبتت لهم الإيمان ونفت عنهم الإسلام، وآية الذاريات تصفهم بالإيمان والإسلام معاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>