[خوف السلف من النفاق]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذكر البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه].
هذا الأثر ذكره البخاري أيضاً في صحيحه في كتاب الإيمان تحت هذه الترجمة: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.
وقال إبراهيم التيمي: (ما عرضت قولي على عملي، إلا خفت أن أكون مكذباً).
يعني: إن الإنسان في الغالب تكون الأقوال عنده أكثر من الأعمال وأوسع، فالإنسان يتكلم بكلام طيب، لكن عند التطبيق يضعف، ولهذا قال إبراهيم التيمي: (ما عرضت قولي على عملي إلا خفت أن أكون مكذباً)؛ لأن القول طيب، وأما العمل فهو ضعيف.
وقال الحسن البصري: (ما خافه إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق).
يعني: ما خاف النفاق إلا مؤمن، وما أمنه إلا منافق، فالمنافق يأمن من النفاق؛ لأنه منافق، والمؤمن يخافه على نفسه وذلك دليل إيمانه.
قال ابن أبي مليكة، كما ذكر المؤلف: [أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ثم قال: ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل].
وهذا فيه رد على المرجئة الذين يقولون: إن إيمان جبريل وميكائيل وإيمان سائر الناس سواء، وإيمان أهل السماء وأهل الأرض سواء، وهذا معناه أن إيمان أفجر الناس وأتقى الناس سواء.
ولهذا قال الطحاوي في الطحاوية: (والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء)، أي: أهل الإيمان في أصله سواء، فالناس كلهم مؤمنون، وكلهم أولياء لله.
فكان الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه الأصغر؟ وإن كان ظاهر الترجمة وهي باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر أنه النفاق الأكبر؛ لأن الذي يحبط العمل النفاق الأكبر، ولكن آخر الأثر: (ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل)، يدل على أن المراد هو النفاق الأصغر، يعني: كل منهم يعتقد أنه ناقص الإيمان، وأنه لا يصل إلى ما وصل إليه جبريل وميكائيل.
الصحابة لا يخافون أن يكفروا بالله ورسوله، وإنما يخافون من نفاق يكون في الأعمال.
قال الحافظ: قد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال غير واحد ولم ينقل عن غيرهم خلاف في ذلك، وكأنه إجماع؛ وذلك لأن المؤمن قد يعرض له في علمه ما يشوبه مما يخالف الإخلاص.