[المثل الناري والمثل المائي للمنافقين في سورة البقرة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (إلى أن ضرب لهم مثلين: أحدهما بالنار، والآخر بالماء).
أي: ضرب لهم مثلين: المثل الأول: مثلاً نارياً، والمثل الثاني: مثلاً مائياً.
المثل الناري قال فيه سبحانه: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:١٧ - ١٨].
أي: ضرب الله لهم مثلاً في كفرهم بعد وضوح الحق، وهؤلاء قوم وضح لهم الحق وآمنوا، ثم بعد ذلك كفروا بعد إيمانهم، فهؤلاء مثلهم مثل الذي استوقد ناراً، فلما أضاءت النار وأبصر ما حوله وأمامه وما يخشاه أمن، ثم ما لبث أن انطفأت عليه النار فصار لا يرى شيئاً، ولا يبصر ما عنده ولا يعرف ما عنده، ولهذا قال: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ} [البقرة:١٨] أي: لا يسمعون الحق، {بُكْمٌ} [البقرة:١٧ - ١٨] أي: لا ينطقون بالحق، {عُمْيٌ} [البقرة:١٨] أي: لا يرون الحق، {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:٩].
هذا المثل الناري الذي ضربه الله للمنافقين الذين أبصروا الحق ثم عموا عنه، وآمنوا ثم كفروا فصاروا يتخبطون في الظلمات.
والمثل الثاني: المثل المائي الذي قال الله فيه: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة:١٩] الصيب: هو المطر وهذا المثل ضربه الله لطائفة أخرى من المنافقين عندهم شك وريب، يؤمنون أحياناً ويكفرون أحياناً، يؤمنون حين يلمع بهم الحق ويضيء، ولكن إيمانهم ضعيف، فإذا غاب عنهم الحق ولم يبصروه يكفرون، فشبههم بالصيب.
قوله تعالى: {فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} [البقرة:١٩] الرعد: الصواعق التي تصيبهم، والبرق: النور الذي يلمع ويضيء لهم أحياناً.
قال الله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة:٢٠] فإيمانهم تارة يظهر وتارة يختفي، ولهذا قال: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة:٢٠] يعني: إذا أضاء البرق مشوا، وإذا أظلم وقفوا، فهم في حيرة وتردد.
قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٠].
هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (إلى أن ضرب لهم مثلين: أحدهما بالنار والآخر بالماء)، وبهذا انتهت الآيات في وصف المنافقين، من قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:٨] إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٠].