[القول الثالث في الإسلام والإيمان]
والقول الثالث لأهل العلم: أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة.
ودليلهم حديث جبرائيل، فإنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، ولما سأل عن الإيمان فسره بالاعتقادات الباطنة، فدل على أن الإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة.
والصواب الذي تدل عليه النصوص والذي عليه المحققون من أهل العلم والذي أقره شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الكتاب من أوله إلى آخره: أن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بالاقتران والإفراد، فإذا انفرد الإسلام دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا انفرد الإيمان دخل فيه الأعمال الباطنة والظاهرة، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى.
فإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة، كما في حديث جبرائيل فإنهما اجتمعا، فلما اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة.
لما سأله عن الإسلام فسر الإسلام: بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولما سأل عن الإيمان فسره بالاعتقادات الباطنة: بالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وإذا انفرد أحدهما دخل فيه الآخر، فإذا انفرد الإسلام فيدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، فالإسلام هنا يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة.
وكذلك الإيمان إذا انفرد فإنه يدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تختلف.
وهذا ليس خاصاً بالإسلام والإيمان، فمثلهما مسمى الدين، فالدين إذا أطلق يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، والإسلام إذا أطلق يدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، والإيمان إذا أطلق يدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، والبر إذا أطلق يدخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة، والتقوى إذا أطلقت يدخل فيها الأعمال الظاهرة والباطنة.
لكن إذا اجتمع الإسلام والإيمان صار لكل واحد منهما معنى، فمعنى الإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، وإذا اجتمع البر والتقوى صار لكل واحد منهما معنى، البر فعل الأوامر والتقوى ترك النواهي، وإن أطلق البر وحده شمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا أطلقت التقوى وحدها شملت الأعمال الباطنة والظاهرة.
وكذلك الفقير والمسكين، الفقير إذا أطلق دخل فيه المسكين، والمسكين إذا أطلق دخل فيه الفقير، وإذا اجتمعا فسر الفقير بمن هو أشد الحاجة، فالفقير: هو الذي لا يجد شيئاً أو يجد نصف الكفاية، يعني: لمدة سنة، والمسكين: هو الذي يجد نصف الكفاية إلا أنه لا يجد الكفاية؛ ولهذا بدأ الله بالفقير في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٦٠]، إذاً: الفقراء والمساكين هنا شيئان.
لكن في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان)، يدخل الفقير.
وكذلك الربوبية والألوهية، إذا أطلقت الربوبية دخلت فيها الألوهية، وإذا أطلقت الألوهية دخلت فيها الربوبية، وإذا اجتمعا فسرت الربوبية بأفعال الرب، والألوهية: بأن الله هو المعبود وحده سبحانه، أي توحيد الله بأفعالك أنت أيها العبد.
ومثل قول الملكين للميت في قبره: (من ربك؟) يعني: من إلهك الذي تعبد؟ فيدخل فيه الألوهية، لكن لما اجتمعا في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:١ - ٣] صار لكل واحد معنى.
ورب الناس، أي: مربيهم وخالقهم ومدبرهم، وإذا أفرد الرب دخل فيه المعبود الإله، وإذا أفرد الإله دخل فيه الرب، وإذا اجتمعا صار لكل واحد منهم معنى.
ومن اجتماع الإيمان والإسلام قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥] وقوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤]، وما جاء أيضاً في حديث سعد بن أبي وقاص: (ما لك عن فلان؟ فوالله! إني لأراه مؤمناً، قال: أو مسلم) ففرق بين الإسلام والإيمان.
وهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص وتجتمع به الأدلة، وهو الذي أقره المصنف رحمه الله من أول الكتاب إلى آخره.