ذكر ما يؤيد أن العاصي مؤمن ضعيف الإيمان وليس كافراً
وهذا القول يرجح من عدة مرجحات وهي: المرجح الأول: قوله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤]، والحرف (لما) ينفى به ما قرب وجوده وانتظر، والمعنى أنه: لم يدخل الإيمان الكامل في قلوبكم، وسوف يدخل قريبا.
المرجح الثاني: أنه أثبت لهم الطاعة لله ورسوله وهم على حالهم، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:١٤].
المرجح الثالث: أن الله تعالى خاطب هؤلاء بقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحجرات:١٤]، ولو لم يكونوا في هذا الحال مثابين لكان خلاف مدلول الخطاب.
المرجح الرابع: أنه وصف المؤمنين الذين حققوا إيمانهم بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:١٥].
والفاسق الملي أو المؤمن الذي ارتكب بعض الكبائر أو قصر في بعض الواجبات يعطى مطلق الإيمان، أي: أصل الإيمان، وينفى عنه الإيمان المطلق، أي: الإيمان الكامل.
وهذا القسم يسميه بعض الناس الفاسق الملي، أي: أنه فاسق ولكنه داخل في ملة الإسلام، والناس تنازعوا في اسمه لا في حكمه، والذين يدخلون في مسمى الإسلام أقسام: القسم الأول: المنافقون.
القسم الثاني: الصادقون في إيمانهم.
القسم الثالث: الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب.
القسم الربع: الفاسق الملي، الذي له طاعات وحسنات، وله معاص وسيئات.
القسم الخامس: الكافر ظاهراً وباطناً من اليهود والنصارى والوثنيين.
والخلاف في الفاسق الملي، أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين، فبعد قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، ظهرت الخوارج وخالفوا في الفاسق الملي، وقالوا: إنه كافر، وخالفوا أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن عاصٍ ضعيف الإيمان.
والخوارج قالوا: إنه كافر في الدنيا أو مخلد في النار في الآخرة، والمعتزلة قالوا: إنه خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، وهو مخلد في النار كقول الخوارج.