قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وأما قبل الهجرة فلم يكن الناس إلا مؤمن أو كافر، لم يكن هناك منافق، فإن المسلمين كانوا مستضعفين، فكان من آمن آمن باطناً وظاهراً، ومن لم يؤمن فهو كافر، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وصار للمؤمنين بها عز وأنصار، ودخل جمهور أهلها في الإسلام طوعاً واختياراً، كان بينهم من أقاربهم ومن غير أقاربهم من أظهر الإسلام موافقة، رهبة أو رغبة، وهو في الباطن كافر، وكان على رأس هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول وقد نزل فيه وفي أمثاله من المنافقين آيات].
أي: أن الناس كانوا ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: مؤمن باطناً وظاهراً، وكافر باطناً وظاهراً، وكافر بالباطن مسلم في الظاهر، وكان هذا في المدينة بعد غزوة بدر، وأما قبل الهجرة، فلم يكن هناك إلا قسمان من الناس: مؤمن باطناً وظاهراً، وكافر باطناً وظاهراً، ولم يكن هناك منافق، لماذا لم يكن هناك منافق في مكة؟ قال المؤلف:(فإن المسلمين كانوا مستضعفين؛ فكان من آمن آمن باطناً وظاهراً، ومن لم يؤمن فهو كافر)، أي: باطناً وظاهراً؛ لأن الكفار كانوا أقوياء يعلنون كفرهم ليسوا بحاجة إلى أن يخفوا ذلك الكفر، لكن عندما تقوى المؤمنون في المدينة خاف المنافقون فأظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر؛ ولهذا قال المؤلف:(فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وصار للمؤمنين بها عز وأنصار).
أي: بعد أن صالح النبي صلى الله عليه وسلم قبائل اليهود في المدينة ووادعهم، وكانوا ثلاث قبائل: بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج، وبني قريظة وبني النضير وكانوا حلفاء الأوس، ودخل أكثر الأنصار في الإسلام، ووقعت غزوة بدر، حينها تقوى المسلمون، وخذل الله الكفار، مما جعل بعض الأوس والخزرج الذين ليس في قلوبهم إيمان يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، حتى قال عبد الله بن أبي: هذا أمر قد توجه، فأظهر الإسلام وأبطن الكفر.
وكان عبد الله بن أبي بن سلول رئيساً في المدينة، وكان أهل المدينة قبيل الهجرة يصنعون له الخرز ليتوجوه ملكاً عليهم، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فاته ذلك، فشرق بالإسلام، فأظهر الإسلام وأبطن الكفر، وتبعه على ذلك بعض الناس، فصاروا منافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر؛ خوفاً من القتل وسلب الأموال.
أما في مكة فلا حاجة إلى إظهار الإسلام وإبطان الكفر؛ لأن الكفار كانوا أقوياء والمسلمين كانوا ضعفاء قلة، بل إن بعض المسلمين كان يخفي إسلامه خوفاً من الكفار، فقد كان بلال وعمار وغيرهما يعذبون.
قوله:(ودخل جمهور أهلها في الإسلام طوعاً واختياراً)، أي: جمهور الأوس والخزرج.
قوله:(كان بينهم من أقاربهم ومن غير أقاربهم من أظهر الإسلام) يعني: نفاقاً.
قوله:(موافقة رهبة أو رغبة، وهو في الباطن كافر، وكان رأس هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول، وقد نزل فيه وفي أمثاله من المنافقين آيات) أي: كالآيات التي في سورة البقرة وغيرها.