[أصل الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولذلك اتفق على قتالهم الصحابة والأئمة].
قوله: (على قتالهم) هذا يبين المراد، وهذه أربع فوائد استنبطها المؤلف رحمه الله من هذا الحديث: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين).
الفائدة الأولى: أن كلاً من الطائفتين مؤمنة وليسوا كفاراً، فـ علي وأهل العراق ومعاوية وأهل الشام كلهم مؤمنون، وفيه الرد على من كفرهم.
الفائدة الثانية: أن اصطلاح الطائفتين أحب إلى الله من القتال، وقد اصطلحوا على يد الحسن.
الفائدة الثالثة: أن قتال الطائفتين مع كونه غير مأمور به، لكن علياً وأهل العراق أقرب إلى الحق من معاوية وأهل الشام؛ لأن علياً رضي الله عنه هو الخليفة الذي بايعه أكثر أهل الحل والعقد فثبتت له الخلافة، فيجب على معاوية وأهل الشام أن يبايعوه، لكن اجتهد معاوية وأهل الشام، وهم لا يمانعون في أنه يستحق البيعة، لكن قالوا: أولاً نطالب بدم عثمان ونحن أولياؤه، ومعاوية يرى أنه من أوليائه، وعلي رضي الله عنه لا يمانع، لكن يقول: لا نستطيع أن نأخذ قتلة عثمان في هذا الوقت، فهو وقت التباس واشتباه ووقت فتنة، ولا يعرف أحداً بعينه من الذين قتلوه فقد اندسوا ودخلوا في قبائلهم.
فإذا هدأت الأمور استطعنا أن نأخذهم بعد ثبوتهم، لكن معاوية وأهل الشام قالوا: نريد أن نأخذهم الآن، فحصل الخلاف، ورأى علي رضي الله عنه أنه يجب عليه أن يقاتلهم ويجب أن يخضعوا؛ لأنه يجب عليهم أن يبايعوه وألا يشقوا عصا المسلمين، ومعاوية وأهل الشام مجتهدون قالوا: نحن نطالب بدم عثمان ولا نريد الخلافة، فحصل الخلاف، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر.
وأكثر أهل العلم وأكثر الصحابة انضموا إلى علي رضي الله عنه ورأوا أن الحق معه، واستدلوا بقول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات:٩].
قالوا: طائفة معاوية وأهل الشام بغت فيجب قتالهم بنص الآية: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:٩]، وبعض الصحابة مثل معاوية وأهل الشام أشكل عليهم الأمر وما فهموا هذا المثال، بل فهموا أنهم يطالبون بدم عثمان.
وبعض الصحابة اشتبه عليهم الأمر، فتوقفوا واعتزلوا الفريقين، منهم سلمة بن الأكوع الذي ذهب إلى البادية وتزوج، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له في البدو، ومنهم: أسامة بن زيد وابن عمر وجماعة اشتبه عليهم الأمر فاعتزلوا الفريقين.
وأكثر الصحابة اتضح لهم الأمر وعلموا أن علياً رضي الله عنه مصيب، وأنه يجب أن ينصر، وهو الخليفة الراشد الذي تمت له البيعة فمن لم يبايع يجب قتاله، وهذا هو الصواب أن علي هو الذي معه الحق وهو الخليفة بنص حديث معاوية (عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية)، وقد قتله أهل الشام.
وحديث الخوارج: (تقتلهم أدنى الطائفتين)، أي: تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق، فقتلهم علي رضي الله عنه، فدل على أنهم أقرب إلى الحق.
ولكن معاوية وأهل الشام مجتهدون، فلا يجوز للإنسان أن يطعن في الصحابة ولا يتكلم فيهم، والصحابة رضوان الله عليهم كلهم مجتهدون، من أصاب فله أجران أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، ومن أخطأ فله أجر الاجتهاد وفاته أجر الصواب، ولهم من الحسنات من جهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبقهم إلى الإيمان ونشرهم للإسلام ما يغطي ما صدر عنهم من الهفوات، ونقول كما قال تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠].