[جريان الأحكام على الظاهر]
قال المصنف رحمه الله تعالى (قال: ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا، لعله أن يكون يصلي، قال خالد رضي الله عنه: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)].
فيه أن الأحكام تجرى على الظاهر فمن كان يصلي فلا يقتل، ولهذا لما استأذن خالد رضي الله عنه أن يضرب عنقه، قال: (لعله أن يكون يصلي، قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، أي: فالأحكام على الظاهر، أما الخفي وما داخل النفس فالله أعلم به وهو يحاسبه، ولهذا فإن المنافقين تجرى عليهم أحكام الإسلام وهم منافقون في الباطن، إلا من أظهر نفاقه وكفره قتل من قبل ولاة الأمور، ومن لم يظهر نفاقه تجر عليه أحكام الإسلام: من الإرث، والتغسيل، والنكاح، وجميع الأحكام.
وجاء في اللفظ الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه منعهم من ذلك لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
قال المؤلف: (قال: ثم نظر إليه وهو مقف).
قوله: (مقف)، أي: قد ولاه قفاه، وهذا الرجل اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وقفى، فلما ذهب وأعطاهم قفاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [(فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، قال: أظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، اللفظ لـ مسلم.
قوله: (من ضئضئ هذا) من نسله وعقبه، قال: (لأقتلنهم قتل عاد) ذكر في الحاشية أن لفظ: (عاد) من رواية مسلم، وعند مسلم: (لأقتلنهم قتل ثمود)].
واحتج بهذا الإمام أحمد في رواية على كفر الخوارج؛ لأنه شبههم بثمود وعاد وهم قوم كفار، وقال: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) في اللفظ الآخر: (ثم لا يعودون إليه)، قالوا: وهذا دليل على كفرهم.
والقول الثاني لأهل العلم وهم الجمهور: أنهم مبتدعة وعصاة وليسوا كفاراً؛ لأنهم متأولون، وهو الذي عليه عمل الصحابة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولـ مسلم في بعض الطرق عن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق)].
الفُرقة بالضم: الخلاف، أما الفرقة بالكسر: الجماعة، وقوله: (يخرجون في فرقة من الناس) يعني: الخلاف الذي حصل بين علي وأهل العراق، ومعاوية وأهل الشام، وقد خرجوا في وقت الخلاف، وهذا فيه علم من أعلام النبوة، وأنه رسول الله حقاً، حيث أخبر أنهم يخرجون في وقت الفرقة والخلاف فخرجوا بعدما حصل قتال بين علي وأهل الشام.
وقوله: (سيماهم التحليق) أي: علامتهم حلق الرأس، فيشددون في حلق الرأس ولا يتركونه يطول، ويحلقونه حلقاً كاملاً ويشددون في هذا، فهذه علامتهم وسيماهم.