للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا ظلِمتُ فإن ظلمي باسل ... مُر مذاقته كطعم العلقم

وما زال يتمدح بحسن ضريبته، ويمن نقيبته، وجهد عزيمته حتى استوفاهن نيّفاً وأربعين بيتاً:

أفلا تراه كيف عد انتقابها دونه إنكاراً لعظيم شأنه، وسموا مكانه؟ ثم ألا تراه كيف ساق إليها من مأثور مكارمه ما كان خليقاً أن تصوغ له، وتُفرغه عليه؟

ذلك ربما اختمرت المرأة حتى إذا التقت بالجبان في طريقها كشفت عن وجهها إزارء به، وإيماء له بأنه ليس بالذي يحتشم منه. وقد حدثوا عن نساء بني الحارث ابن كعب أنهن لم يكنّ يُقَنَّعْن دون جبنائهن. وذلك الذي عناه الحارث بن حلَّزَةَ الْيَشْكُرِيُ في قوله:

عيشي بجَدٍّ لا يضرْ ... كِ النَّوكُ ما أوتيت جدَّا

وضعي قناعك إن رأي ... ت الدهر قد أفنى مَعَدَّا

يقول إذا ذهب بمعد فضعي قناعك فليس هناك عظيم يأخذك الحياء منه كل ذلك شأن الحجاب في أمم العرب الطارئة وهم بنو إسماعيل وحَفَدَةُ قحطان الذين خلفوا على جزيرة العرب بعد أن عصف الدهر بأهلها الأولين.

أما الأمم البائدة - وهن عاد وثمود وطْسم وجَديس والعمالقة وأُخر غيرهن لا يعلمهن إلا الله - فلم يكن الحجاب معروفاً عندهن بل لقد تبرج النساء في تلكم الأيام تبرجاً أخذه الله عليهم فنهى المسلمين عن مثله في قوله تبارك أسمه: (ولا تَبرَّجْنَ تَبُّرجَ الجَاهِليَّةِ الأولى) وفي تفسير هذه الآية الكريمة يقول النيسابوري: كانت المرأة تلبس درعاً من اللؤلؤ فتمشي به وسط الطريق بين

<<  <  ج: ص:  >  >>