وفي قرن وبعض قرن، وثب المسلمون وثبة ملئوا بها الأرض قوة وبأساً وحكمة وعلماً، وفرضوا الأمم، وهاضوا الممالك، وركزوا ألويتهم في قلب آسيا وهامات إفريقية، وأطراف أوربا، وتركوا دينهم وشرعهم ولغتهم وعلمهم وأدبهم تدين لها القلوب وتنقلب بها الألسنة بعد أن كانوا فرائق بَدَاً لا نظام، ولا قوام ولا علم، ولا شريعة.
ففي أي المدارس درجوا، ومن أي المعاهد خرجوا؟
لقد قطع العرب تلك المرحلة التي سَهَمَ لها الدهر، ووجم لروعتها التاريخ ولم يقيموا معهداً أو ينشئوا جامعة، أستغفر الله بل لقد كانت خصاصهم وخيامهم ودورهم وقصورهم معاهد ومدارس وما شئت من مغارس حكمة ومغاوص آداب وَليِ أمرها أمهات صدق، أقامهن الله على نشئه، واستخلفهن على صنائعه، وأرعاهن أشبال غابة، وائتمنهن على بناة ملكه، حُماة خلقه، فكن أقوم خلفائه بواجبه، وأثبتهن على عهده، وأنهض بالفادح الشديد من أمره:
لقد كان أبر هؤلاء القوم من أن يخرجهم مُخرجاً سيئاً أو ينبتهم منبتاً فاسداً، أو يضمهم إلى صدور واهية وقلوب سقيمة، ثم يسومهم أشرف مطالب الحياة، ويوردهم أسمى مقاصدها، ولو فعل لكان قد كلفهم شططاً وجشمهم محالا