تقضت أيام أبي بكر وعمر والمسلمون في أمنة من الفرقة. وقد فرغوا للجليل العظيم من أمرهم. فردوا المرتدين، إلى حظيرة الدين. ثم فتحوا العراق وفارس والشام ومصر وما وراءهن. حتى أصبحت الدولة الإسلامية يومئذ أورف الدول ظلا، وأسمقها بناء. ثم أعقبتها أيام عثمان، فبدأت الأرض تمور بالفتنة.
لقد كان عمر صُلباً شديداً لا يبالي أن يُقَنع بِدرَّته وجه الشريف العظيم إذا مال به القصد، وحاد عن الطريق. وكان عثمان حييا خجولا. يبتدر الرجل الهفوة بين يديه فيندي جبينه، ويحمرّ وجهه. ومحال يروض الناس هذا بعد ذاك.
وكانت من عثمان إلى المسلمين هفوات ساقها الضعف، فأسخطتهم، وأحفظت قلوبهم: منها أنه استعان على عمله بالأحداث من بني أمية، فأخذوا يخسفونه بعامة المسلمين، ويضربونهم بالسياط، ويعذبونهم بالمَسَاحي المُكْوَاة. حتى دوى الصوت من الحجاز إلى العراق إلى مصر بأن عثمان خليفة مستضعف وأن سواه أولى منه بخلافة المسلمين.
وكان مصدر هذا الصوت من سُدَّة عائشة أم المؤمنين. فتجاوبت أصداؤه وانشعبت جِواؤه.
ضاعف الثائرون ذلك الصوت وجوَّفوه، فكل يقول: قالت عائشة، وكتبت عائشة. حتى اتخذوا اسمها سبيلا إلا الإغراء بدم الخليفة المظلوم، كما اتخذوا اسم عليّ في
ذلك بهتاناً وإثما مبيناً. على أن كليهما أراد النَّصفة للمسلمين باستصلاح الخليفة أو اعتزاله، فكان ما جرى به القضاء. وقتل عثمان في بيته مظلوماً مخذولاً. واستَحَلَّ الثائرون منه الحُرم الثلاث: حرمة الخلافة، وحرمة البلد الحرام، وحرمة الشهر الحرام.