للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه العظمة ونستخلص مدى الأثر حين نعرض لتلك المرأة وما نالها في هذه الدول من خير أو شر. وننتقل بمعونة الله وتوفيقه إلى ذكر الديارات المنبئة في بلاد العرب وما أنشئت له من غاية، وما كان لها من أثر.

[الديارات]

كان الفرس فيما قصدوا إليه من نشر وبث حضارتهم ينزعون إلى غاية واحدة هي إخماد العصبية العربية ليتم لهم ما أرادوا من إعادة مجدهم الغابر، وملكهم القديم، وما عليهم من سبيل أن يرتدوا لبوس الدين طائعين أو خادعين؟.

أما الروم والسريان ومَنْ سواهما من نصارى المشرق والمغرب، فقد كان همهم من العرب غيرهمَّ الفرس منهم. غاية هؤلاء أن ينقُضوا دعامة الإسلام ليشقوا الصفوف للنصرانية في بلاد العرب، فأخذواُ يقلبون للإسلام وجوه الحيلة ويفوَّقون عليه سهام الغيلة، ويحشدون عليه جيوش التدبير، ولكنهم قوم أولو سياسة ودهاء، فهم لا يخطبون في حفل، ولا ينطقون في جمع، ولا يبعثون كتابا، ولا ينمقون صحيفة، ولا يبادهون أحداً برأْي، ولا يشافهون أحداً بمكروه. بل أخذوا يمزجون العسل المصفى في السم المذاب، وأنشئوا يبثون الشكوك والشبهات في مزاج من المآرب والشهوات. وذلك ما أعدوه في ديارتهم التي نثروها في كل مكان من بلاد العرب.

وكانت عناية القوم بتنظيم ديارتهم وتنسيقها واختيار مواطنها الصالحة لها مما يفوق كل عناية، وأكثر ما تكون في أربض المدن وبين شتات القرى وعلى طرق القوافل، وفي منقطع الصحراء، وفوق سفوح الجبال، وفي كل مكان يكون انتياب الناس له وتواردهم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>