وبعض قرن ليكون للمرأة من محدثات الحقوق ما لا سبيل إلى تغييره والعبث به فلم يجد عناء في سبلها كل ما انتزعته من حق غير مشروع، ثم لم يقف عند هذا الحد من الغالب، بل ذادها عن قها الذي سوغه الله لها فحرم تعليمها، وحرم على نفسه العناية بأمرها، وأبعدها عن منال العيون والألسنة، ول يعد يذكرها إلا
بالسوء ولا ينالها إلا بالشر، وتلك حال المندفع إذا رد، والمتغلب إذا قهر.
وكان من أثر ذلك كله انحطاط نفيرها وشيوع أميتها، فلم نعد نسمع في العراق بالكاتبة ولا الشاعرة ولا المتأدبة ولا المتفقهة إلا ما يشبه الشجرة الناجمة في الصحراء المقفرة، وأصبح نسك المتنسكات خرقاً وشعوذة، وأصبحت الأسوة بهن جهلا وحماقة وشاع ذلك الضرب من النسك حتى رفعت القباب في كل إقليم وفي كل مدينة وفي كل قرية وكل دسكرة على أمثال هؤلاء، وكان شيوع ذلك من الفتن التي أصابت الإيمان المتين في صدور المؤمنين.
[المرأة البدوية]
أقام أهل بادية العراق على ما كانوا عليه من طبع وخلق وعادة وأدب، فلم يغير نظام الدولة شيئا من نظام الجماعة ولا أسلوب الحياة، ومن أجل ذلك بقيت المرأة الأعرابية على صفاء فطرتها وسناء رأيها وقوة نفسها ونصاعة أدبها، وكان علماء الأدب ورواة الشعر يذهبون غلى البادية فيستمعون مأثور الكلام من الرجال والنساء ثم يعودون فيطرفون به الخلفاء ويناقلون به العلماء ويتحدثون به في مجالس العلم وفي حلقات الدروس؛ وربما جد الخلاف بين أئمة النحو فلا يطمئن لهم رأي حتى يأتوا بأعرابي من البادية مباءة للصحيح من اللغة والفصيح من الأسلوب أمداً طويلا. وإذا