المفتية، المدرسة، الفقيهة، العابدة، العالمة، الصوفية، المجاهدة: وكل هذه ألقاب خلعها عليها أهل دهرها، وكلها صفات وصلت بها منتهى حدودها كانت تصعد المنبر وتعظ النساء. وانتفع بتربيتها والتخرّج عليها خلق كثير. وكانت عالمة موفورة العلم في الفقه والأصول، وعلى سُنتها سارت ابنتها زينب فكانت تعظ النساء وتخطبهن في حياة أمها وبعد موتها.
[فخرية بنت عثمان البصرية]
كانت من أسرة عريضة الجاه موفورة الغنى، ولكن ذلك كله لم يطب لها فخرجت عنه وتزهدت وتنسكت وهجرت الراحة والمنام إلى الصلاة والقيام وقنعت من العيش برغيف وقدح ماء، فذلك قوتها كل يوم.
وكانت أشبه الناس برابعة في الوحشة من الدنيا والتدله في ذات الله. هاجرت إلى بيت المقدس وأقامت أربعين عاماً تقف الليل كله بباب الحرم تصلي حتى يفتح الباب فتكون أول داخل وأخر خارج.
مُعاذ بنت عبد الله العدوية البصرية
روى عنها قتادة والجرمي وأيوب وغيرهم، وكانت إذا شملها النهار قالت لعلَّي أموت اليوم فلا تنام، وإذا جنَّها الليل قالت لعلي أموت الليلة فلا تنام. وكانت إذا أشتد البرد لبست الرقاق من الثياب ليمنعها البرد طيب فلا تنام.
ومن قولها: عجبت لعين تنام وقد عرفت طول الرقاد في ظلمة القبور. وكانت تصلي في اليوم والليلة ستمائة ؤكعة، ولم ترفع بصرها إلى السماء أربعين عاماً.
وأكثر ما كان الزهد والتنسك في البصرة، وتلك كانت شهرتها من قديم عهدها ومن حديث هذا التبذل والتبتل تعلم أن المرأة تمردت على الحياة النَّسوية الكاملة، فليس في هؤلاء ولا أولئك مثل واضح للمرأة التي جعلها الله مبعث الودّ والرحمة للزوج