كان مما قضى الله أن ينشطر البيت الهاشمي في الدولة العباسية إلى شطرين متنافرين لا تعطفهما عاطفة الدم ولا تأخذهما وشيجة الرحم، بعد أن أقاما منذ لحق النبي بربه أسرة واحدة لا تزعجها الحوادث ولا تفرقها الخطوب، وبعد أن بُثت دعوة الخلافة لهما معاً باسم الرضى من آل بيت رسول الله. فلما وَلىِ الخلافة أبو العباس السفاح سليل العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض من بعده أخوه أبو جعفر المنصور ثم نظر المنصور إلى ولده محمد المهدي - لما كان ذلك عرف العلويون وهم سلائل رسول الله وأحفاد علي بن أبي طالب أن بني عمهم الذين قاسموهم احتمال الظلم والخسف في عهد بني أمية غلبوهم على أمرهم واستأثروا بالخلافة من دونهم وهم أمس برسول الله رحماً، وأدناهم من الخلافة يداً، لأنها رَوِيت بدمائهم، ونهضت بأسماء الشهداء من قتلاهم، فاحتجزوا بأنفسهم وأطالوا النظر فيما عساهم يفعلون، وهكذا انصدع البيت العظيم ونظر بعضه إلى بعض نظر المقهور إلى قاهره والوتور إلى واتره، ثم خرج إمامهم النفس الزكية محمد بن الحسن ومعه أهل المدينة وجمهور من أهل العراق على الخليفة أبي جعفر، ولم يكن غير قليل حتى التقى الجيشان، وبينا رماح الفريقين متشجرة وسيوفهم متقطرة كان الإمامان محمد بن الحسن وأبو جعفر المنصور يتساجلان الرسائل ويتناظران بالكتب ليكسب كل منهما عطف جمهور المسلمين وانحيازهم إليه، وفي هذه الكتب يطاول كلاهما صاحبه بما له من فضل السبق وكرم العرق وقوة القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.