ابتعد العرب بانتقالهم إلى الأندلس عن أكثر ظواهر الحياة العربية الأولى، فهم من مهبطهم الجديد في خميلة نشر الله عليها من سمات الحسن وآيات الجمال ما يستقيد العين والنفس والقلب والخيال، حتى خيل لشاعرها أن يقول:
يا آل أندلس لله درّكم ... ماء وظل وأنهار وأشجار
ما جنة الخلد إلا في دياركم ... ولو تخيرت هذا كنت أختار
لا تثقوا بعد ذا تدخلوا سقرا ... فليس تُدخل بعد الجنة النار
وهم فوق ما نعموا به من زهو الطبيعة وجلوة الأرض، نعموا كذلك بالكثير الموفور من رفاهة العيش وإغداق النعيم، لَمِا آل إليهم من كنوز القُوط ولما حوته أرضهم وديارهم من أفانين الثراء وأسباب النعماء.
وقد أصبحوا بهبوطهم تلك البلاد في نجوة من بلادهم لا يصلهم بها إلا الوفود المتردّدة بين الشرق والغرب على بعد ونأي المزار، وأمّا جيرانهم الأدنَوْن وخلطاؤهم الأقربون فهم أهل البلاد الصميمون الذين تمتعوا بأوفى نصيب من بُلهْنية العيش ولذات الحياة وما يقتضيه كل ذلك من سرف وترف ولهو ونعيم.
وعلى الرغم من ذلك سار الأمويون في الأندلس دهراً طويلاً على مسار أسلافهم في الشرق من الاحتجاز بأنفسهم عن الأمم المغلوبة لعصبيتهم ووقاية لأنسابهم وحماية لأخلاقهم أن يوهنها الضعف والانحلال.
وفوق ذلك لبث الأمويون يطفئون الفتن ويخمدون الثورات ويدفعون العدوّ المتوثب على الثغور أمداً طويلا فلم يرخوا أعنة اللهو إلى حدّ بعيد كما كان العباسيون يفعلون، حتى إن أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر وهو الذي رفع