يأتلف أهل المغرب الأقصى من شعوب ثلاثة: البربر والعرب واليهود، وأكثر ما يتولى اليهود من العمل أشتات المهن من تجارة وصناعة وليس لهم فيما وراء ذلك شأن عظيم، غير أن أهل المغرب يذكرونهم كلما ناب خطب أو شبت فتنة أو أغير عليهم من حيث لا يعلمون.
ويقوم العرب والبربر على نظام القبائل والبطون، وكان للمرأة العربية منذ الفتح الإسلامي نصيب أختها في بلاد العرب من القيام على الأسرة والاتصال بالحياة العامة على نحو ما أسلفناه في الجزأين الأولين من هذا الكتاب، ثم أخذت المدينة الأندلسية تسري على قدر في جنبات هذا الإقليم، وأخذ ملوك الدولة الإسلامية المتتابعة يَنْهجون المدن وينشئون القصور وينقلون إليها الكثير الموفور من مباهج
الحضارة! ومناعمها واجتلبوا الجواري من الأندلس والعراق، وحجزت طبقات السَّراة والأشراف نساءها في دور الحُرم وأقاموا على خدمتهن وحجابتهن الخصيان من أرقاء الصقالبة، وقد كان هؤلاء سبباً في القضاء على دولة يوسف بن يعقوب بن عبد الحق حين استفحل أمرهم في قصره، فقد كان السلطان يخلطهم بأهله ولا يحجبهم عن حرمه وعياله، ثم رابته ريبة في بعضهم فاعتقل جملة منهم كان فيهم عنبر الكبير أستاذهم وحجب سائرهم فراعهم ذلك وأفزعهم. فبيتوا له الشر ودبروا له السوء حتى استأذن عليه واحد منهم يدعى سعادة وهو مضطجع في فراشه فلما أنس الغِرّة منه وثب عليه وطعنه طعنات أردته قتيلا.
ودرج أوساط أهل المدن على تلك السنة من إرخاء الحجاب حتى أصبح من مسنون عاداتهم ألا تخرج المرأة من دارها إذا أعوزها الخروج إلا في جنح الليل