وهن وإن غشين الحرب لما دون القتال من إفاضة الرجمة، وبذل المعونة، لا يجدن بداً من انتضاء السيوف إذ أجفل الرجال، ورجفت قلوبهم، ورأين من لوائح الهزيمة ما لا خير في الحياة بعده. ولعل من النساء يقول: وما عسى المرأة أن تفعل ذلك يومذاك؟ ألا أنها لا تدع الرجل يقول: وما عسى الرجل يفعل يوم ذلك؟
وهل تجد الشَّجاعة إلا قوة تفيض من اليقين الثَّبْت، والصبر المكين، فتصدع ركن الدهر، وتفل غرب الحادثات.
فانظر كيف تجد المرأة من جلال الصبر، وقوة الأيمان، ثم تبين مبلغ غنائها وكفايتها، إذا أحرج صدرها، واشتملت الحرب العوان عليها؟
ونحن بعون الله سائقون لك من مواقف النساء في مخاضات الدماء وتلك هي أسماء بعضهن، وأثارة من أثرهن، ووصف بعضهن: -
[نسيبة بنت كعب المازنية]
لكل بطل موقف عرف به، وأثر عنه، وكان مهبط الشرف من حياته، ومعقد الفخر من سيرته.
وليس هنالك موقف أملأ للقلب، وأملك للنفس، وآثر في التاريخ، من موقف نسيبة بنت كعبة.
خرجت نسيبة في جيش المسلمين يوم أحد، تسقي الظمأ، وتأسو الجرحى، وكانت غرة الحرب وطلعتها للمسلمين. ثم أشاحت بوجهها عنه، فتناولتهم سيوف المشركين، تنها من نحورهم وتطعن في ظهورهم، فانكشفوا وولوا مدبرين،