للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما يسوقه ابن خلدون من جدل وتأويل فإن المؤرخين مجمعون أن النساء قطعن الحوائل وكسرن القيود، ولم يكن سرا حديث ملاعب بغداد ومغانيها ودورها وقصورها وما أقيم فيها من عزف وقصف وما ساد عليها من لهو ولعب، فقد تواصفه شعراء هذا العصر ومؤلفوه، ولولا عفة القلم لنقلنا الكثير من الموفور مما وصفه أبو نواس في مقدمة ديوانه وما ساقه أصحاب الأغاني وكتاب بغداد

والمنظوم والمنثور والعقد الفريد وصاحب بلاغات النساء في باب المجون وأشباههم من المؤرخين والأدباء وفي كلها من حديث المرح وإجماح ما لا نراه إلا قطعاً للصلة بين نساء هذا العصر ونساء العصر القديم، وهل كان يُقْدَرُ للمرأة غير ذلك المقدور وقد تقاسمتها الفتن وتنازعتها الأهواء ومن البداءة الظاهرة في تاريخ العراق أن المرأة في هذا العصر شربت النبيذ. ومن حديث الطبري أن نساء أقررن بالخمر بين يدي المهدي. ومن رواية الأصمعي أن أعرابية نزلت بغداد فسقوها النبيذ، فلما أخذتها النشوة قالت: أيشرب نساؤكم هذا؟ قالوا نعم، فقالت زنين ورب الكعبة.

ومما يزيح لنا النقاب عن مبلغ ما أصاب الأخلاق من وهن وانتكاث قول علي بن هشام وهو ممن تصلهم ببيت الخلافة صلة الدم وآصرة المصاهرة: عشقت ألف امرأة ثم انتهيت على ألاَّ بامرأة أفرأيت كيف لانت مقادة النساء وهانت كرامتهن وأُذِيل فضلُ ما لهن من إباء وحياء حتى استعصى على الخبير بهن أن يثق بواحدة منهنّ. كذلك أقام الكسائي إمام اللغة والأدب دهرَة غير متزوج لأنه لا يثق بامرأة، وكثير من علماء هذا العصر درجوا ذلك المدرج فلم يتزوّجوا.

[النساك]

وكان من شأن تلك الحال أن تدفع كثيراً من الممستورين والمستورات إلى التحرّج منها والانحياز بأنفسهم عن مجالها والابتعاد عن مخالطة من يتصلون بها، وركبوا

<<  <  ج: ص:  >  >>