هذا المستظهر بن هشام وهو الخليفة المستعين ونظيره في جلال لقبه وسناء حسبه أحب أن يتزوج فتاة من قرابته فمطلته فيها بعض ما استفاد من عاطفته شعراً يفيض عزة وإباء. وكان مما قال:
وماذا على أم الحبيبة إذ رأت ... جلالة قدري أن أكون لها صهراً
وإني لأرجو أن أطوف بمفخر ... بملكي لها وهي التي عظمت فخراً
وإني لطعَّان إذا الخيل أقبلت ... جرائدها حتى ترى جُنها شُقرا
وإني لأولى الناس من قومها بها ... وأنبههم ذكراً وأرفعهم قدرا
جمال وآداب وخُلق موطأ ... ولفظ إذا ما شئت أسمعتك السحرا
[المعتمد وجواريه]
ولعل أتعس مثل من أمثلة تبذل الملوك في جواريهم وتهوّرهم في مرضاتهن واندفاع إلى أعماق الهاوية من جرائهن: المعتمد على الله محمد بن عباد صاحب أشبيلية ووارث ملك بني أمية؟، فقد أنَهبَ نفسه حظاياه لبه واقتسمن قلبه ومن حديثه أنه أرسلهن ذات ليلة من قرطبة إلى أشبيلية فخرج معهن يشيعهن فسايرهن من أول الليل إلى الصبح، ثم عاد عنهن وهو من فراقه في حسرة والتياع، ومما قاله:
سايرتهم والليل أغفل ثوبه ... حتى تبدّى للنواظر معلما
فوقفت ثَمَّ مسلما وتسلمت ... مني يد الإصلاح تلك الأنجما
وقال في موقف الوداع
ولما وقفنا للوداع غُدَيّة ... وقد خفقت في ساحة النصر رايات
بكينا دماً حتى كأن عيوننا ... بِحريْ الدموع الحمر فيها جراحات