وحسبنا في هذا الجزء من الكتاب أن نتكلم عن المرأة في المغرب الأقصى. أما المغرب الأدنى فحديث المرأة فيه طويل مستفيض لا يتسع له هذا الجزء، وموعدنا به الجزء الرابع مع المرأة المصرية، لأنّ بين نساء هذا القطر من بلاد المغرب وبين نساء مصر البدويات صلة الجوار وعقدة النسب وألفة الطباع والعادات.
وإذا تحدثنا عن المغرب الأقصى فإنما نتحدّث عن قطر كان فيما سلف من الدهر لا تجف دماؤه المتفجرة ولا تخمد نيرانه المضطرمة، له في كل آونة عرش يقوم ومصرعي ترصد، قد اختلف فيه كل ما فيه اختلافاً بينا، ففيه البربر والعرب، وفيه الخوارج والرافضة، وفيه الواتر والموتور، وفيه الدخيل والأصيل، ذلك شانه وتلك حاله منذ بسط الإسلام ظله عليه.
وكان شأن المرأة في عامّة البلاد كشأنها في كل الشعوب المستبسلة المتبدّية، لها قوّة عاملة وصفة مستقلة وحياة ظاهرة، وما كان يَضير الرجل هنالك أن ينتسب إلى أمّه ومن الذين ظهروا في هذه البلاد ممن انتسبوا إلى أمّهاتهم: ابن غانية القائد المتغلب المتملك وابن عائشة العالم الشاعر، وبنو سوط القادة الأبطال، وما كان عجيباً أن تسود المرأة وتحكم، وقديماً تكلم ابن خلدون عن امرأة تسمى شمس كان لها عشرة أبناء استفحل أمرهم وتفاقم سلطانهم وألقوا إليها أزمّة الأمر وروضوا لها حكم البلاد فلم يكن هنالك دفع أو استنكار.
وكانت تأنف ويؤنف لها وتغار ويغار عليها إلى أن تؤثر ورود الموت على الذل والهوان. ومما رواه ابن خلدون أن جيش بني مرين قصد إلى السلطان أبي زيان ابن عثمان وأخذ ينتقص أطراف بلاده ولم يقو جيشه عليه، قال ابن خلدون: فبينا