من لا عهد لهم، ولا رعي، ولا ذمام، مرتعا خصيباً، يتنقلون فيه كما شاءت أهواؤهم، وشهوات أنفسهم.
وبعد فلنعد إلى المظهر الثاني من ظاهر حرية المرأة في الإسلام وهو: -
[حريتها العامة]
إذا كانت المرأة المسلمة عماد البيت بحكم الإسلام، فهي أيضاً دعامة الحياة العامة، بحكم الإسلام. فهي لم تدع موطناً عظيماً، ولا مشهداً حافلا، ولا عملا خالداً إلا وكانت فقار ظهره، وعماد أمره، فقد جلست إلى رسول الله متحدثة متعلمة، ورافقت جيشه آسية مدوية، وجالت بين يديه مقالته مستبسلة وهاجرت بدينها إلى المدينة والحبشة مع السابقين الأولين من المهاجرين. فأجزل الله في كل ذلك مثوبتها، وأحسن النبي مآبها، وأكبر المسلمون مواقفها.
لقد كانت المرأة العربية في عهد جاهليتها تزن الرجل في ذكاء قلبه، ومضاء نفسه، وسناء خلائقه، فلما عمها الإسلام لم تقصر عن مداه في علم أو دين أو فضيلة. فمن أين للرجل أن يأنف من مجالستها، ومساجلتها، واستماع حديثها، وذلك شأنها معه، ومكانها منه؟
ولم يكن الحجاب مما تألفه المرأة العربية كثيراً في عهد جاهليها، فقد كانت تغشي المحافل، وتخوص الجحافل، وتخطب في الأندية، وتمشي في الأسواق، فلما انبسط ظل الإسلام تأثر الحجاب بمؤثرين متعارضين:
أما أولهما فأمر الله زوجات رسوله بالقرار في بيوتهن، والابتعاد عن منال العيون. لأن موطنهن من رسول الله، ومكانهن من أمومة المؤمنين، لا يجعلهن كأحد من النساء. وذلك حيث يقول جل ذكره: